وسام نحلة القوى السياسية في شبه جزيرة القرم تدرك خطر الترويج للفكر المتطرف، ومحاولات إعادة كتابة التاريخ، ومن هنا تلتزم الولاء لموسكو، وترفض الاعتراف بسلطة الانقلابيين؛ فالقوميون الأوكران الذين يحملون افكارا نازية فاشية في كثير من الأحيان، هم من يتحكم في المشهد الميداني والسياسي في أوكرانيا، معلنين عداءهم لروسيا والمنحدرين من اصول روسية، ما يجعل المناطق الشرقية، ذات الجذور الروسية، تنظر بريبة إلى ما يجري.

تدعّي الولايات المتحدة ومعها دول اوروبية أن هذه السلطة الحالية تمثل مصالح الشعب الأوكراني، لكن في الواقع، يعمل الغرب الأنغلوساكسوني على تضليل المجتمع الدولي، غير مكترث بأن السلطات الجديدة تسير خلف المتطرفين المسلحين والمخربين، الذين تمثل أعمالهم خطراً مباشراً على سيادة أوكرانيا ونظامها الدستوري.
الأوضاع في أوكرانيا تزداد تعقيداً، بحيث اصبح انهيار الدولة ممكنا، لا بل واقعاً، ولا سيما أن النازية الجديدة تعود إلى تصدر المشهد في البلاد، إذ إن أحدا لا ينكر وجود النزعة القومية المغروسة في ذاكرة سكان غرب أوكرانيا منذ القدم؛ فالقوميون انتظروا من السلطة السوفياتية اعترافا باستقلال أوكرانيا، لكنهم لم يحصلوا عليه، ما ادى إلى عداء مع السوفيات. ومن ثم احتل الألمان أوكرانيا، وهذه المرَّة أيضاً لم يحصلوا على الاستقلال.
في غرب أوكرانيا تلفت نظرك معالم كثيرة مرتبطة بنشاط القوميين الأوكرانيين، الذين قاتلوا أولا ضد بولندا، ومن ثم ضد الاتحاد السوفياتي بعون النازيين، وأخيرا ضد الألمان أنفسهم. لكن زعيمهم إبان الحرب العالمية الثانية ستيبان بانديرا شخصية تتضارب حولها الآراء، فقد سجن في معسكرات الاعتقال النازية، لكنه فيما بعد قاتل إلى جانب النازيين ضد الاتحاد السوفياتي.
وبلدة دوبلياني في مقاطعة لفوف تشتهر ليس بجامعتها الزراعية فحسب، بل أيضا بالطالب ستيبان بانديرا، الذي تلقى دراسته الجامعية فيها مطلع الثلاثينات من القرن الماضي. وفي عهد البرتقاليين أقيم لزعيم القوميين تمثال في المدينة. الحرم الجامعي يتضمن أيضاً متحفاً للرجل الذي اتهم في بولندا والاتحاد السوفياتي بإبادة عشرات الآلاف من المدنيين، في ما وصف بحرب التحرر الأوكرانية من الاحتلالين البولندي والسوفياتي. في المتحف أيضاً يلقنون طلبة الجامعة دروساً في الوطنية، ويطلعونهم على نضالات بانديرا ورفاقه.
اليوم يسعى العديد من أتباع بانديرا من الحكّام الجدد الى التهوين من تعاونه مع الألمان في الكفاح من أجل استقلال أوكرانيا، حيث يدعي هؤلاء أنهم وقفوا مع النازيين ضد الجيش السوفياتي، بحجة أن أدولف هتلر كان سيمنح الاستقلال لأوكرانيا. ولعل من الأخطاء القاتلة التي ارتكبها الرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش، أنه ألغى مرسوماً قضى بمنح ستيبان بانديرا لقب بطل البلاد، الذي كان قد أصدره الرئيس السابق فيكتور يوتشينكو. وقد صاحبت ذلك احتجاجات عارمة نظمها القوميون الأوكرانيون، ما يعني أن الخلاف حول الشراكة مع أوروبا كان حجة لبدء الاحتجاجات الحالية، التي أدت إلى انقلاب مسلح في البلاد، فيما بات عنوانها العريض: «النازية تعود إلى أوروبا من بوابة اوكرانيا»، ومن يزُر ميدان الاستقلال وسط كييف، يدرك ذلك تماماً.
* كاتب مختص في الشؤون الروسية