في موقف حمل سقفاً سياسياً عالياً، برزت الولايات المتحدة الأميركية، أمس، كلاعب رئيسي يسعى إلى حرف وجهة التظاهرات المطلبية، واستثمارها لمصلحة سياسية، قائمة على «ليّ الأذرع» الإيرانية في العراق، بـ«انقلاب سياسي» يُرجى من خلاله إطاحة الحكومة الحالية، واستبدالها «ديموقراطياً» بأخرى تكون أقرب إلى واشنطن منها إلى طهران. وأعلنت الإدارة الأميركية، أمس، «انضمامها إلى بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في العراق (يونامي)، في دعوة الحكومة العراقية إلى وقف العنف ضد المتظاهرين والوفاء بوعد رئيس الجمهورية (برهم صالح) بإمرار الإصلاح الانتخابي وإجراء انتخابات مُبكرة»، داعيةً «بقية المجتمع الدولي إلى الانضمام إلينا في دعم مستقبل أفضل للشعب العراقي». البيان المقتضب، الذي أعرب عن قلق الإدارة إزاء استمرار الهجمات ضد المتظاهرين والناشطين المدنيين والإعلام وحجب الحكومة الاتحادية خدمات الإنترنت، هاجم النظام الإيراني، متهماً إياه بـ«استنزاف موارد الشعب العراقي، واستخدام الجماعات المسلحة والحلفاء السياسيين لمنعهم من التعبير عن آرائهم بسلمية»، قائلاً إن «الشعب لن يقف مكتوف الأيدي رغم استهدافه».البيان دفع زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، إلى الخروج ببيان ناري، رفض فيه أن تُحوّل أميركا العراق إلى سوريا كساحة أخرى للصراع، مؤكّداً أنّه «لن يسكت إذا كانت الانتخابات المبكرة (والتي كان دعا إليها هو في وقت سابق) بإشراف أميركي». وأضاف: «إذا تدخلت أميركا مرة أخرى فسوف تكون نهاية وجودها، من خلال تظاهرات مليونية غاضبة»، قائلاً: «كفاكم تدخّلاً في شؤوننا. فللعراق كبارٌ يستطيعون حمايته، ولا يحتاج إلى تدخلات لا منكم ولا من غيركم». بدوره، ردّ الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، على البيان الأميركي، معتبراً أنه «كشف عن حجم التدخل الأميركي في الشأن العراقي»، عادّاً «مشروع الانتخابات المبكرة مشروعاً أميركياً».
حذر السيستاني من «سلوك طريقٍ آخر» إذا فشلت السلطات في إصلاحاتها


الردّ العراقي على البيان الأميركي، والذي جاء من الشريكين الرئيسيين في الائتلاف الحكومي، يمثّل تحصيناً لحكومة عادل عبد المهدي، وتمسّكاً بنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة (أيار/ مايو 2018)، والتي يعتقد الطرفان أن الدعوة إلى «انتخابات مبكرة» ليست إلا محاولة لإطاحتها، ومقدمة لانقلاب سياسي يستهدف تغيير الخريطة البرلمانية لمصلحة قوى تأمل واشنطن تسيّدها المشهد. هذا المشروع، وفق مصادر «الفتح»، هو «الخيار البديل» لمشروع «الانقلاب العسكري» المدعوم أميركياً، والذي أُجهض أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، وتثبيت لحقيقة سعي الولايات المتحدة إلى حرف وجهة «المطالب»، وتحويلها من معيشية إلى سياسية بحتة، وخاصة أن الإدارة الأميركية التمست ــــ في مكان ما ــــ عجز الحكومة عن استيعاب نقمة الشارع. هذه الفجوة رأت فيها واشنطن المساحة الأنسب لتصعيد الضغوط على طهران وحلفائها، وخصوصاً أن أداء عبد المهدي وخروجه عن «الطاعة» الأميركية في كثير من المواضع كان صادماً لها.
في موازاة ذلك، بدا لافتاً أمس استقبال السيستاني رئيسة «بعثة الأمم المتحدة»، جينين هينيس بلاسخارت، في النجف جنوبي العاصمة بغداد. وفي بيان صادرٍ عن مكتبه، أعرب السيستاني عن «ألمه الشديد وقلقه البالغ لما يجري في البلاد»، مشيراً إلى «تحذيره المتكرّر منذ سنوات عدّة من مخاطر تفاقم الفساد المالي والإداري وسوء الخدمات العامة وغياب العدالة الاجتماعية»، والذي «لم يجد آذاناً صاغية لدى المسؤولين»، داعياً إلى إجراء «إصلاحات حقيقية في مدة معقولة». وأعرب عن خشيته من أن «لا تكون لدى الجهات المعنية جدية كافية في تنفيذ أيّ إصلاح حقيقي»، محذراً من أنه ما لم تكن «السلطات الثلاث قادرة على إجراء الإصلاحات اللازمة... فلا بد من التفكير بسلوك طريق آخر». وفيما شدّد على رفض التدخل الأجنبي، واتخاذ البلد ساحةً لتصفية الحسابات بين بعض القوى الدولية والإقليمية، رحّب بمقترحات البعثة، والتي تضمّنت الإفراج عن كلّ المعتقلين من المحتجين السلميين، وإجراء تحقيق في عمليات قتل المتظاهرين، وإعلان الأصول المملوكة للزعامات السياسية لمعالجة اتهامات الفساد، وإجراء محاكمات للفاسدين، وتطبيق إصلاحات انتخابية ودستورية تسمح بمزيد من المحاسبة للمسؤولين خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.