لا أرقام دقيقة حول أعداد العاملات المنزليات اللواتي تم ترحيلهن من قبل كفلائهنّ منذ «اندلاع» الأزمة الاقتصادية. آلية تتبّع فسخ العقود بين العاملة والكفيل وطبيعة البيانات المُسجّلة لدى الأمن العام تحولان دون حتى التوصّل إلى تقديرات.إلّا أن المعلومات المُستقاة من جمعيات غير حكومية معنيّة بحقوق العاملات المهاجرات تُفيد بفسخ عشرات العقود في الأسابيع القليلة الماضية، بما يُفضي إلى ترحيل العاملات إمّا بسبب عجز الكفلاء عن تسديد رواتبهن بالدولار وفق ما ينص عليه العقد ورفض العاملة قبض الراتب بالليرة (سواء على أساس سعر الصرف القديم أو المتغير)، أم بسبب رغبة العاملة بالرحيل بعجزها عن تحويل راتبها.
هذا هو «السيناريو» الأقل ضرراً للعاملات حتى الآن. إلّا أنّ هناك وضعاً آخر يُحذّر منه بعض الحقوقيين، يتمثّل بمضاعفة استغلال العاملة بحجة الأوضاع الاقتصادية، إذ أن نظام الكفالة، وما يُكرّسه من «عبودية» مُقنّعة، يربط بشكل واضح بين مصير الكفيل والعاملة في ظلّ غياب التشريعات التي تحمي الأخيرة وتمكنها من حقوقها. وأمام هذا «المنطق»، تغدو حقوق العاملات على المحكّ في ظلّ تعنّت بعض الكفلاء ورفضهم الدفع للعاملات بالدولار أو إجبارهن على تقاضي رواتبهن على أساس سعر الصرف القديم وتكبيدهن كلفة تأمين الدولارات من السوق، فضلاً عن امتناع البعض عن دفع الرواتب بحجة ادّخار كلفة تذكرة سفر العاملة!
ترى المحامية في قسم «الإتجار» في منظمة «كفى عنفاً واستغلالاً» موهانا إسحاق أن هذه الأزمة من شأنها أن تُفاقم النفور في العلاقة بين رب العمل العاملة وتؤدي الى المزيد من التوتر الذي قد يتمظهر بأشكال مختلفة من العنف، مُشيرةً إلى أن الوضع الراهن «قد يُساهم في تزايد أعداد العاملات اللواتي لا يملكن إقامات قانونية».
قبل أيام، لاذت عشرات العاملات المهاجرات بالسفارتين البنغلادشية والفيليبينية طلباً لتسوية أوضاعهنّ وسعياً لترحيلهنّ. تقول مصادر وزارة العمل إنّ غالبية هؤلاء يُخالفن شروط الإقامة أو أنّ إقامتهن غير شرعية، فضلاً عن أن بعضهن مسجّلات على أسماء كفلاء وهميين، ويعملن بشكل منفرد وقد فقدن فرص عملهن بسبب الوضع.
تقول إسحاق إن المنظمة راسلت الأمن العام، الأسبوع الماضي، وطلبت تقديم تسهيلات وإعفاءات لتسوية أوضاع العاملات والحؤول دون تعرّضهن للمزيد من الاستغلال.
هذه المُبادرة تنسجم ومبادرة أخرى قامت بها مؤسسة «عامل»، تقضي بـ «تكثيف الجهود بين منظمات المجتمع المدني بالتنسيق مع الأمن العام والجهات الرسمية المعنيّة تقضي بتسوية أوضاع العاملات وحمايتهن من الاستغلال المُرتقب».
رئيسة دائرة مراقبة عمل الأجانب في وزارة العمل مارلين عطالله، أكّدت لـ «الأخبار» أنه لا شكاوى إلى حد الآن بما يتعلق بفسخ عقود مع عاملات منزليات على خلفية عدم القدرة على دفع رواتبهن (200 دولار شهرياً كحد أدنى)، مُشيرةً إلى أنّ «الناس لا يزالون يراهنون على تحسن الأوضاع». ولفتت إلى أن الوزارة مدّدت مهل تجديد إجازات العمل حتى نهاية عام 2019 مراعاة للظرف القائم وتفادياً لتدفيع الناس غرامات مالية، مع إمكانية التمديد أكثر، وهو ما قام به كذلك الأمن العام لناحية تجديد الإقامات.
أما أكثر الشكاوى، وفق عطالله، فتأتي حول راتب العاملة «الذي تستحقه بالدولار الأميركي»، وإن كانت رواتب أصحاب العمل بالليرة اللبنانية.
بحسب نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام، شهد لبنان تراجعاً في الطلب على استقدام العاملات الأجنبيات منذ ما قبل الأزمة الحالية، بسبب حظر السفر الذي قامت به بعض الدول المُصدّرة كأثيوبيا والفيليبين، نظراً لتلكؤ وزارة العمل اللبنانية في التوقيع على اتفاقيات التفاهم مع حكومات الدول الأخرى التي تهدف إلى تحسين ظروف العاملات والعمال وضمان حقوقهم.
نحو 300 ألف عامل أجنبي شرعي وغير شرعي يحوّلون إلى الخارج نحو 400 مليون دولار سنوياً


وجاءت استقالة الحكومة أخيراً لترجئ توقيع الاتفاقيات التي وصلت إلى خواتيمها (الاتفاقية اللبنانية - الأثيوبية). ووفق نقيب أصحاب مكاتب الاستقدام في لبنان علي الأمين فإن المشكلة في القطاع بدأت أوائل عام 2019 نتيجة تأخر وزارة العمل في التوقيع على الاتفاقيات، وارتفاع تكاليف الاستقدام، ما جعل القطاع يتراجع بنسبة 60 في المئة عمّا كان عليه قبل ذلك، ومع بداية تدهور العملة اللبنانية منذ ثلاثة أشهر فإن القطاع بات في حالة من «الموت السريري». مشيراً إلى أن 17 مكتب استقدام (من أصل 600) أغلقت أبوابها قبل نحو شهرين.
الأمين أشار إلى أن عدد العاملات المنزليات وصل إلى نحو 200 ألف عام 2018، غالبيتهن من التابعية الأثيوبية، فيما تُفيد التقديرات بوجود نحو 300 ألف عامل أجنبي (بطرق شرعية أو غير شرعية) يعملون في مختلف القطاعات الخدماتية أغلبهم من الجنسيات الأثيوبية، الفيليبينية، البنغالية، المصرية، الهندية، السريلانكية والسودانية. وهم يحوّلون إلى الخارج نحو 400 مليون دولار سنوياً.
بحسب عطالله، فإن شركات التنظيفات هي الأكثر تضرراً حتى الآن، إذ أنها أجرت عقودها مع المؤسسات بالليرة اللبنانية، وهو ما يكبدها خسائر فادحة لتعويض فارق الدولار، ناهيك عن استغناء الكثير من المؤسسات عن العمال، أو خفض أعدادهم، وهذا ما يرتب قريباً موجات من الترحيل الجماعي.