ليلى مروّة*ثمة الكثير من الإخفاقات التي تعانيها النساء في العالم، لذا كان على النساء وعلى الحركة النسوية النضال لوقت طويل من أجل الاعتراف بالمرأة كإنسان كامل، وقد اتخذ هذا النضال منطلقاً له مبدأ المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، والذي يعوقه التمييز على أساس الجنس، والذي بدوره يتجذر ويعاد إنتاجه من خلال العنف.

ماذا عن لبنان؟ اليوم، ونحن نحتفل باليوم العالمي للمرأة، هل يمكننا أن نهنّئ نساء لبنان بعيدهن؟ كيف ذلك والدولة اللبنانية لا تزال شريكة مساهمة في استمرار دائرة التمييز والعنف الممارسين بوجه النساء برفضها تعديل القوانين التمييزية بحقهنّ، واستحداث تشريعات تحمي النساء من العنف الممارس بحقهن، في ظل بنية اجتماعية تاريخية تتصف بالتراتبية والسلطوية وتتمثل بعلاقات السلطة بين الرجل والمرأة، حيث تتمتع هذه البنية الاجتماعية بالحصانة القانونية.
إن عدم توفير الأمان للنساء له علاقة بالإرادة السياسية وبالوعي المجتمعي لإشكالية العنف، ولحقيقة واجب الدولة بتقديم الحماية الكاملة لمواطنيها، بغضّ النظر عن جنسهم والا تكون الدولة نفسها شريكة في انتهاكات الحقوق الإنسانية للمرأة، لأنها لم تنتهج بكل الوسائل والتدابير الملائمة سياسة حاسمة ترمي إلى التمتع الفعلي بكل الحقوق الإنسانية.
يشكل العنف والتمييز ضد النساء انتهاكاً لكرامة المرأة وتهديداً لسلامة الأسرة واستقرارها وعائقاً أمام نمو المجتمع بسبب الحد من قدرة النساء على التمتع بالحقوق والحريات الإنسانية ومن قدراتهن على المشاركة الحقيقية والفعالة في عملية التنمية الشاملة بجعلهن مستهلكات لها فحسب، وهو يصبح أكثر فتكاً عندما يمارس باسم القانون، عندها يعزز ثقافة التسلط والإقصاء داخل الأسرة ويؤدي إلى تنشئة جيل على قيم غير ديموقراطية تنتهك حقوق الإنسان، على الرغم من أن القانون وضع لحماية الإنسان ومعاقبة من ينتهك قواعد العدالة والمساواة.
إن أبرز الأمثلة التي يمكن طرحها في سياق عرض واقع المرأة في لبنان تتمثل بوجود القوانين التمييزية، وأبرزها قانون الجنسية الذي لا يزال يميز ضد المرأة اللبنانية المتزوجة بأجنبي بعدم منحها جنسيتها لزوجها ولأولادها، وقانون العقوبات الذي يحتوي بعض المواد التمييزية بحق النساء لجهة المواد الخاصة بالزنا والاغتصاب والبغاء والإجهاض والعنف الأسري، ولا نغفل قوانين العمل والضمان الاجتماعي، كما لا يسعنا بكل تأكيد إغفال قوانين الأحوال الشخصية التي تطرح جملة من الإشكاليات الخاصة بأوضاع النساء تحديداً لجهة تكريسها للأدوار النمطية ولعلاقة السيطرة التاريخية وبتكريسها التمييز بين المواطنين بعدم وجود قانون مدني موحد للأحوال الشخصية يجمع بين اللبنانين، بالإضافة إلى إقصاء النساء عن المشاركة الحقيقية في صنع القرار على مستوى الحياة السياسية بسبب جملة من المعوقات السياسية والقانونية والثقافية.
إن التحديات التي تطال النساء في لبنان متعددة، وأبرزها أن قضية النساء لم تصبح قضية اجتماعية، فهي لا تزال على هامش قضايا المجتمع، على الرغم من أن مشكلات النساء جزء عضوي من مشكلات المجتمع، وهي ليست قضية نسوية فحسب، بل هي قضية مجتمعية تهم المجتمع بأسره، والنضال من أجل حقوق النساء ليس نضالاً معزولاً، بل هو مرتبط بنهوض المجتمع وتقدّمه اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً.
يرتبط ذلك بالبنية وبالمنظومة القيمية السائدة في المجتمع التي تشمل الثقافة والفكر الديني السائد والذي يعطي الخطاب الذكوري القدسية، بحيث يعتبر العنف (المادي والرمزي) الممارس ضد النساء أهم أسسها، وسط جو الإفلات من العقاب للجناة ومنتهكي حقوقهنّ، فيما يتمثل التحدي الثالث بغياب أو ضعف الإرادة السياسية، فلا يمكن تحقيق المساواة بين الجنسين في الحقوق والكرامة من دون تحديد أوجه هذا التمييز للقضاء عليه والحد من انتهاكات حقوق الإنسان للنساء عبر اعتماد سياسات واستراتيجيات جادة من أجل تعزيز حقوق المرأة والنهوض بأوضاعها والارتقاء بها الى صفة المواطَنة الكاملة والفعلية، والاعتراف لها بكل الحقوق والحريات.
أيضاً، لا يمكننا أن نغفل عن التحديات التي ترتبط بضعف الاستقرار السياسي والأمني إلى جانب الواقع الاقتصادي السيئ وتأثيرات ذلك تحديداً على النساء، في ظل ثنائي الفقر والأمية، ولا نغفل الواقع الطائفي والمذهبي وتأثيرات ذلك على تعزيز المواطنية السليمة والهوية الموحدة الجامعة.
لا يمكن بحث قضايا النساء في لبنان من دون بحث صورة المشهد السياسي المأزوم والانقسام العمودي حول القضايا الكبرى، وأثر ذلك على ضعف الحركة النسوية في إيجاد شركاء لمناصرة قضاياها من ضمن القضايا المجتمعية، إلى جانب أثر ذلك على الخطاب النسوي الذي يحتاج إلى بيئة مدنية ديموقراطية وإلى قوى تغيير ديموقراطية تتبنى كل قضايا حقوق الإنسان.
* رئيسة التجمع النسائي
الديموقراطي اللبناني