يبدو أن محاولات رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، الالتفاف على التهم المُوجّهة إليه تبوء بالفشل، في وقت ينجح فيه منافسوه، حتى الآن، في عرقلة «استراتيجية التملّص» التي ينتهجها، وآخر وجوهها طلبه الحصانة البرلمانية، ودفعه في اتجاه تأجيل البتّ بها حتى ولادة «الكنيست» المقبل، الذي يأمل تحقيق أغلبية فيه تقرّ حصانته وتمنع محاكمته. أراد نتنياهو أن يمنع صدور لوائح الاتهام بحقه بشكل رسمي إلى حين البتّ بطلب الحصانة، ما يؤمّن له خوض الانتخابات بعيداً من مسار المحاكمة القضائية، التي من شأنها التأثير سلباً على حملته الانتخابية وعلى نتيجة الانتخابات المقرّر إجراؤها في الثاني من آذار/ مارس المقبل. وكان المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، قرّر، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، توجيه ثلاث لوائح اتهام ضدّ نتنياهو، إلا أن صدورها بشكل رسمي بقي معلّقاً في انتظار أن يطلب الأخير الحصانة. وعليه، كان نتنياهو، حتى نهاية الشهر الماضي، أمام خيارين: إمّا الامتناع عن طلبها والتسبّب بصدور لوائح الاتهام ضده مع ما لذلك من تداعيات سلبية على حظوظه الانتخابية، وإما طلبها على رغم معرفته بأنه لم يُمنحها في «الكنيست» الحالي بسبب افتقاده الأغلبية اللازمة. فكان أن اختار طلبها، ولكن مع العمل على تأجيل البتّ بها.حتى أيام مضت، كان نتنياهو وحزب «الليكود»، والكتلة اليمينية بشكل عام، يخوضون معركة على تأجيل حسم مسألة الحصانة مع المنافسين من أحزاب الوسط واليسار و«القائمة العربية». لكنّ نتيجة ذلك الكباش، كما اتضحت أمس، أظهرت أن الحسم يتّجه إلى أن يكون قبل موعد إجراء الانتخابات المقبلة، ما يعني على الأرجح رفض منح نتنياهو الحصانة، الأمر الذي يُعدّ نكسة كبيرة جداً له، من شأنها تصعيب وضعه القانوني والشخصي، والتأثير سلباً على الحملة الانتخابية لحزبه، وأيضاً في مرحلة ما بعد الانتخابات. وحسمت اللجنة المنظمة في «الكنيست»، أول من أمس، مسألة تشكيل لجنة لبحث منح نتنياهو الحصانة أو رفضها، لكن عليها أن تنتظر مصادقة الهيئة العامة لـ«الكنيست» على قرارها، وهو ما بات في هذه المرحلة مادة الصراع الجديدة بين نتنياهو ومؤيّديه من جهة، الذين يعملون على عرقلة انعقاد الجلسة ومن ثمّ ترحيل الحصانة إلى «الكنيست» المقبل، وبين الأغلبية من المعارضين التي تصرّ على عقد الجلسة.
مسيرة اتهام نتنياهو، وربما أيضاً محاكمته لاحقاً، لم يسبق لها مثيل في تاريخ إسرائيل


من المفيد الإشارة، هنا، إلى أن رفض الكنيست تحصين نتنياهو لا يعني وجوب انسحاب الأخير من الانتخابات، أو التخلّي عن رئاسة «الليكود». إذ أن الصفة التي يتمتع بها، كرئيس للوزراء، تمنع فرض الاستقالة عليه إلى حين صدور الحكم النهائي بحقه. وبالتالي، هو يستطيع خوض الانتخابات، ويمكن أن يُكلَّف بتشكيل الحكومة المقبلة، بل وأن يشكّلها فعلياً من دون أيّ عائق قانوني إلى حين صدور الحكم. هذه الحيثية، إلى جانب إمساك نتنياهو بحزب «الليكود»، وفرضه معادلات تُصعّب على الكتلة اليمينية التخلّي عنه، يعني أن لا تغيير مقبلاً في المشهد الإسرائيلي بفعل الاتهام والمحاكمة، ما لم يؤثر ذلك سلباً على مزاج الناخب، اليميني تحديداً، الذي لا يبدو أن قرار الاتهام سيغيّر كثيراً من توجهاته في صناديق الاقتراع، في ظلّ ترجيحات بإعادة استيلاد نتائج العمليتين الانتخابيتين السابقتين نفسها، أو ما يقرب منها. في الوقت نفسه، لا يعني رفض «الكنيست» منح الحصانة لنتنياهو، ومن ثمّ توجيه الاتهامات إلى الأخير بشكل رسمي، تقييداً لقراراته التي له قانوناً أن يتخذها أو يصادق عليها، بوصفه رئيساً للحكومة، وإن كان متهماً. يسري ذلك بطبيعة الحال على القرارات السياسية كما الأمنية، وصولاً إلى قرارات متطرّفة جداً، لا يمنع نتنياهو نفسه من التلميح إليها، وتحديداً في ما يتعلق بتحدّيات الجبهة الشمالية، التي باتت أكثر من داهمة وتحتلّ أولوية قصوى في جدول الأعمال اليومي في تل أبيب.
بالعودة إلى وضع نتنياهو القضائي، يشار إلى أن مسيرة اتهامه، وربما أيضاً محاكمته لاحقاً، لم يسبق لها مثيل في إسرائيل. إذ أن إجراءات محاكمة رئيس وزراء كانت، حتى الأمس القريب، مجرد فرضيات في متن القوانين والأنظمة، من دون أيّ مصاديق عملية في تاريخ المنظومة الإسرائيلية. لم يسبق أن وُجّهت اتهامات بحق رؤساء وزراء وهم في سدّة الحكم، وبطبيعة الحال لم تصل الأمور مع أيّ منهم إلى الحدّ الذي وصلت إليه مع نتنياهو، الذي يؤكد قولاً وفعلاً أنه ماضٍ في محاولة منع محاكمته أو تأجيلها، مستغلّاً أدنى تفصيل قانوني وحزبي وشعبوي، وكذلك التخويف والترهيب الأمني، وتوأمة المصلحة الأمنية الإسرائيلية مع مصلحته الخاصة، كي يشوّش على ملفه القضائي ومسيرة محاكمته.