بغداد | ستكون العاصمة العراقية بغداد، صباح الجمعة الواقع في الـ24 من كانون الثاني/ يناير الجاري، على موعد مع «التظاهرة المليونية» المندّدة بالاحتلال الأميركي للبلاد، وانتهاكاته المتكرّرة لسيادتها. زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، أعلن ذلك بالأمس، مشدداً - في توصياته - على «رفع العلم العراقي فقط، وارتداء الأكفان، وحصر الهتافات ضد الاحتلال». وقال: «نتظاهر في سوح الإصلاح، الذي بذلنا من أجله الغالي والنفيس»، واصفاً «من يتظاهر في سوح الإصلاح» بأنهم «إخوتنا، هدفنا هدفهم، ومطلبنا مطلبهم... فالمحتلّ سيّد الفاسدين»، في محاولة لتطمين شريحة من المتظاهرين في «ساحة التحرير» وغيرها (بعيداً من المتماهين مع أجندات السفارة الأميركية والعواصم الخليجية).يريد الصدر - ومَن معه من القوى والأحزاب المؤيدة لخيار المقاومة - حشد أكبر جمهور ممكن، وإعلاء الخطاب المناهض للاحتلال الأميركي، الذي يعمل في المقابل على ترويج خطاب يُضعف الصبغة الوطنية لقضية إنهاء الاحتلال، ويُحيي النزعات التقسيمية - الانفصالية، وفي الوقت نفسه يهدّد بفرض عقوبات مالية على العراق أو مصادرة ودائعه، ومنعه من اقتناء أيّ منظومة من شأنها حماية السيادة (ترفض واشنطن إبرام بغداد صفقة مع موسكو لشراء منظومة الدفاع الجوي «أس 400» المتطورة). وفي انتظار موقف «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) يوم غدٍ الجمعة إزاء دعوة الصدر وحلفائه (الخطبة الأخيرة رفضت أيّ «دور للغرباء في قرارات الشعب»، ما فُسّر على أنه رفض لأيّ دور أميركي في العراق)، تجري تحضيرات لـ«المليونية» المرتقبة، والتي أُعلن عنها مبكراً بهدف إفساح المجال أمام أكبر عملية تحشيد ممكنة.
أُبلغ الأميركيون بأن «الناتو» مشمولٌ بالقرار البرلماني الداعي إلى انسحاب قوات «التحالف»


ودعا الصدر، في بيانه، إلى «الاستعداد لباقي الاحتجاجات السلمية كالاعتصام والإضراب عن الطعام وغير ذلك»، في إشارة إلى أن الفعّاليات المناهضة للاحتلال لن تتوقف عند «المليونية»، بل ستعقبها خطوات تصعيدية شعبية، توازي الخطوات الرسمية الحكومية في تنفيذ القرار البرلماني الداعي إلى انسحاب القوات الأميركية. الأخيرة - وفق المعطيات - تسعى إلى الالتفاف على القرار البرلماني وجهود رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، بالقول إن القرار ملزمٌ لقوات «التحالف الدولي»، أما «قوات الناتو» (حلف شمالي الأطلسي) فغير معنية بذلك. وفي هذا الإطار، أُبلغ الأميركيون بأن «الناتو» مشمولٌ بالقرار، بعد محاولة «فاشلة» من قِبَل القيادة الأميركية لنقل إمرة قواتها المنتشرة في العراق من «التحالف» إلى «الناتو». وفي حال فشل الجهود الدبلوماسية العراقية والضغوط الشعبية، فإن القوات الأميركية التي يبلغ عديدها 10 آلاف عسكري وفق الإعلام الأميركي، جلّها منتشرٌ في «قاعدة عين الأسد» غربي البلاد، إضافةً إلى 15 ألف آخرين بين موظفين ومتعاقدين وشركات أمنية، سيكونون في مرمى الفصائل، التي يبدو أنها تنتظر مآلات تلك الجهود، على قاعدة أن الدخول في مواجهة مباشرة/ حرب استنزاف مع قوات الاحتلال سيراعي «حساسية» الوضع الداخلي ودقّة المرحلة، وسيكون خياراً أخيراً.
إذاً، دخل العراق - شعبياً - في مواجهة صريحة مع الأميركيين. دَمُ نائب «رئيس هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، وقائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني، الفريق قاسم سليماني، أحدث «صدمة» دافعة للنهوض، بتعبير أكثر من مصدر متابع. هذا «النهوض» ليس محصوراً - فقط - بالصعيدين السياسي والميداني، بل يشمل أيضاً إنتاج آليات عمل جديدة لفصائل المقاومة و«الحشد»، الذي يدخل شهراً من «التنظيم الهادئ»، من شأنه أن يسفر عن بلورة صيغة جديدة له، تطاول وجوهاً قيادية من جهة، وتعكس تمسّك «الحشد» بمشروع المهندس ورؤيته لمؤسسة أمنية - عسكرية باتت جزءاً من معادلة إقليمية تجتاز الحدود العراقية من جهة أخرى.