وفي سياق دفاعه عن خطوته، ادّعى البرهان، خلال لقائه صحافيين داخل مقرّ القيادة العامة للجيش في العاصمة الخرطوم، أن لقاءه نتنياهو جرى بدافع «تحقيق المصلحة السودانية العليا»، كما نقل عنه المتحدث باسم الجيش، عامر محمد الحسن. ومع عدم نسيانه ترداد لازمة الأنظمة الخليجية المُطبِّعة عن التزام «الثوابت تجاه القضية الفلسطينية»، حاجج بأن المصلحة هي «المحكّ الذي يمرّ به السودان، من خلال الضغط الاقتصادي الذي يواجهه المواطن»، ولذلك هو «يحتاج إلى قرارات جريئة ترفع واقع الشعب في حياته ومعاشه... وليعود للسودان رقم في علاقاته الخارجية»، في اعتراف مبطن بأن العسكر يريد، من وراء ما قام به، كسب ودّ الولايات المتحدة من أجل دفعها إلى رفع السودان من قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، على رغم ادّعاء البرهان في موضع آخر «(أننا) لم نطلب من نتنياهو رفع اسم السودان من القائمة الأميركية». وإلى أبعد من ذلك، ذهب البرهان في تصريحات لاحقة، إذ زعم أن ما يحدث ليس تطبيعاً، بل هو «علاقة حسن نوايا مع العالم كلّه، ولا فرق بين سويسرا وإسرائيل»، في تناقض جليّ، سرعان ما أضاف إليه موقفاً بعيداً من هوية السودان التاريخية بقوله «(إننا) لن نبدّل مصالحنا وحقوقنا من أجل مصالح الآخرين (أي الفلسطينيين)»، وأيضاً تقديرات مثيرة للسخرية بإشارته إلى أن «قُرْبنا من إسرائيل قد يكون مفيداً في مساعدة الفلسطينيين على حلّ مشاكلهم».
فُهم من بيانات القوى الأساسية رفضها تجاوز البرهان دوره الإداري!
كذلك، أكد رئيس «مجلس السيادة» أنه أعلمَ حمدوك بلقاء عنتيبي قبل يومين من موعده، كاشفاً أن «الاتصالات مع نتنياهو و(وزير الخارجية الأميركي مايك) بومبيو بدأت منذ ثلاثة أشهر»، وهو ما يثبت أن اللقاء إنما هو تتويج لسلسلة جهود رعتها واشنطن ومعها حلفاؤها الخليجيون الذين كانوا على مرّ الأشهر الماضية يعملون على هندسة المشهد السوداني وفق أهوائهم. وفي إشارة إلى أن اجتماعه بنتنياهو يمثل بداية لمسار تطبيعي، أعلن البرهان «(أننا) سنشكّل لجنة من مجلسَي السيادة والوزراء لدرس مزايا وعيوب العلاقة مع إسرائيل»، لافتاً إلى أن «بعض شركات الطيران تعبر أجواءنا إلى إسرائيل منذ أشهر، واتفقنا على عبور كلّ الشركات ما عدا العال» الإسرائيلية، وهو ما ردّ عليه نتنياهو بالقول إن «الطائرات الإسرائيلية تستطيع الطيران من فوق السودان».
«مرافعة» البرهان قوبلت سريعاً باستقالة مدير الإدارة السياسية في «السيادي»، السفير رشاد السراج، الذي قال في استقالته إن «أمانة التكليف تقتضي أن أقدّم استقالتي قبل أن أرى أعلام الكيان الصهيوني ترفرف عالية على القصر الذي قُتل فيه (الضابط البريطاني تشارلز جورج) غردون من قِبَل المجاهدين من أبناء السودان الأحرار الذين قاتلوا وكلاء الاحتلال والاستعمار على مر العصور»، مضيفاً: «أعلن براءتي لله ولرسوله وللمؤمنين من ذلك الفعل... وأعتذر لشعب فلسطين المناضل». وسجّل وزير الثقافة والإعلام، فيصل محمد صالح، بدوره، موقفاً مغايراً لموقف رئيسه حمدوك، إذ وصف اللقاء بأنه «خرق وتجاوز لموقف البلاد الثابت ضدّ التطبيع مع إسرائيل»، منبّهاً إلى أن هكذا موقف «لا تملك أجهزة الحكم الانتقالي تغييره، وإنما يترك للمجلس التشريعي أو المؤتمر الدستوري والحكومة المنتخبة». أما «قوى الحرية والتغيير» فكان بيانها دون سقف المواجهة، فضلاً عن تأخّره، إذ رأت أن اللقاء «يشكل تجاوزاً كبيراً نرفضه بكلّ حزم ووضوح» من الناحية الدستورية، مشددة على أن «إحداث تغييرات جذرية في قضية سياسية بحجم قضية العلاقة مع إسرائيل يقرر فيها الشعب السوداني عبر مؤسساته التي تعبر عن إرادته». في المقابل، حسم الجيش سريعاً موقفه بتأييد خطوة البرهان، معلِناً في بيان أمس أنه «عُقد اجتماع بالقيادة العامة لقادة القوات المسلحة، وأمّن على نتائج زيارة القائد العام لأوغندا ومخرجاته، بما يحقق المصلحة العليا للأمن الوطني».