ليست دول الخليج بمعزل عن أزمة «كورونا» المستفحلة؛ فانعكاسات الفيروس أوّل ما أصابت أسعار النفط، مهدّدةً بتقويض اقتصاداتٍ تعاني أصلاً مِن الركود وتكافح لتقليص اعتمادها التامّ على الطاقة. تمثّل الصين إحدى الأسواق الرئيسة لهذه الدول، فهي إلى جانب كونها شريكاً تجارياً رئيساً لـ«مجلس التعاون الخليجي»، تُعدّ بكين أكبر مستوردي الخام (تستهلك أكثر من 10% من الإنتاج العالمي للنفط، ما يعني أن الأسعار ستتراجع بالضرورة حال انخفاض الطلب). وبالفعل، تضاءل الطلب بعد عزل العديد من المدن الصينية لاحتواء انتشار الفيروس الذي تجاوز عدد الوفيات الناتجة منه 1300 شخص. دفع ذلك بأسعار النفط إلى أدنى معدّل لها منذ عام، إذ هبطت بنسبة 20% منذ 30 كانون الثاني/ يناير الماضي، ما أدّى أولاً إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الهشّ في الخليج، وعكس ثانياً الآثار المترتّبة على اعتماد الاقتصاد العالمي على السوق الصينية.بالنسبة إلى دول الخليج، حقّقت التجارة غير النفطية بينها وبين بكين نموّاً بدأ ببضعة مليارات قبل عقدين، ليصبح حوالى 200 مليار دولار العام الماضي. لكن انتشار الفيروس أحدث تصدّعات كبيرة؛ وخصوصاً في قطاع السياحة الذي تعرّض لضربة قوية (زار أكثر من 1,6 مليون سائح صيني دول الخليج في عام 2018). تتزامن الصدمة الاقتصادية الراهنة مع تحذير «صندوق النقد الدولي» من تلاشي ثروات الخليج خلال 15 عاماً، إذا لم تُقدِم دوله على إصلاحات أعمق، وخصوصاً أن النفط يشكِّل أكثر من 70% من الإيرادات العامة في هذه الدول. في هذا الإطار، رأت الباحثة ألين والد أن الدول المُنتجة للطاقة، التي قامت بالفعل بتخفيض إنتاجها لإنعاش الأسعار، تواجه الآن «أزمة مزدوجة» تتمثّل في انخفاض الأسعار والصدمة الاقتصادية. ونبّهت، في تعليق لـ«بلومبرغ»، إلى أن «خفض الأسعار في وقت تَقلّص فيه الإنتاج يهدّد بصدمات اقتصادية قد تؤدي، في حال استمرارها لفترة طويلة، إلى عدم استقرار سياسي وإقليمي تمّ تجنّبه خلال الانخفاض الحادّ الأخير». وحذّرت مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» المالية الاستشارية، من جهتها، من التأثير الطويل الأمد للفيروس الذي قد يؤدي إلى حدوث انكماش اقتصادي كبير. وعلى هذه الخلفية، أوصت اللجنة الفنية لـ«أوبك» وشركائها «أوبك+»، خلال اجتماع استثنائي في فيينا، بخفض الإنتاج بمقدار 600 ألف برميل إضافي يومياً لوقف تراجع الأسعار وسط انتشار الوباء، تضاف إلى 1,7 مليون برميل خُفضت منذ بداية العام الجاري. لكن والد لفتت إلى أن المرات السابقة التي انخفضت فيها أسعار النفط في 2015 و2016 كانت نتيجة قيام المنتجين بضخّ أكبر قدر ممكن من النفط، وهذا أمر مختلف تماماً عن الوضع الحالي. فالدول المُنتجة مثل السعودية وروسيا والإمارات ستواجه أسعاراً منخفضة إلى جانب انخفاض الإنتاج، ما سيؤثّر على إيراداتها، وقد تترتّب على اللااستقرار الاقتصادي آثار سياسية محتملة.
بلغ حجم التجارة غير النفطيّة بين دول الخليج والصين حوالى 200 مليار دولار العام الماض


وفي تقريرها الشهري حول سوق النفط العالمية، خفّضت «أوبك»، مدفوعةً بانتشار الفيروس، توقّعاتها لنمو الطلب العالمي على الخام بنسبة 19%، متوقّعة أن يبلغ 0,99 مليون برميل يومياً هذا العام، بانخفاض عن توقعات الشهر الماضي بنمو بمقدار 1,22 مليون برميل يومياً. وجاء في التقرير أن الطلب على نفطها في 2020 سيبلغ في المتوسط 29,30 مليون برميل يومياً، بانخفاض 200 ألف برميل يومياً عن التقدير السابق. في الاتجاه ذاته، جاء تقرير «وكالة الطاقة الدولية»؛ إذ أشار إلى أن الطلب العالمي على النفط سيسجّل أول انخفاض فصلي له منذ عقد بسبب الأضرار التي ألحقها انتشار «كورونا» باقتصاد الصين وتبعاته على العالم. وفي تقريرها السنوي، قالت الوكالة إن «الطلب العالمي تأثّر بانتشار فيروس كورونا (كوفيد ــــ 19)، والإغلاق الواسع للاقتصاد الصيني»، متوقعةً أن «ينخفض الطلب على النفط بمقدار 435 ألف برميل مقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق، في الربع الأول من 2020». وعلى الرغم من أن الأسواق انتعشت في الأيام الأخيرة بعدما أصبح المستثمرون واثقين من أن الصين يمكن أن تحتوي الفيروس بسرعة، وأن تأثيره الاقتصادي سيكون قصير الأجل، حذّرت الوكالة من التهاون ومقارنة أزمة اليوم مع انتشار «السارس» عام 2003، ذلك أن التحوّل الكبير في الاقتصاد العالمي، منذ 2003، يعني أن تباطؤ الصين اليوم سيكون له تأثير عالمي أقوى.