مع بدء الاحتجاجات في لبنان، خرجت عدّادات وقوف السيارات أو «الباركميتر» من قائمة مصاريف المواطنين اليوميّة، وخصوصاً سكان بيروت. حصل ذلك، بفعل قيام المحتجّين بتحطيم العدّادات بالتزامن مع تحطيم واجهات المصارف، أو بتغليف عدد منها بأكياس النايلون والأسلاك اللاصقة، أو عبر رشّ شاشاتها الإلكترونيّة بالرذاذ ما أوقفها عن العمل. هكذا عاش المواطنون نحو 4 أشهر من «حلم» إيجاد موقف لركن سياراتهم بلا مقابل ماديّ، والأهمّ بلا محاضر ضبط في حال تخلّفوا عن تزويد العدّاد ببعض العملات المعدنيّة كلّما دارت عقارب الساعة... لكنّ الوضع اختلف أخيراً، إذ عاد بعض البلديّات لتشغيل العدّادات بحجّة «ارتفاع صرخة التجّار» ممن باتت تُركن السيارات أمام محالهم التجاريّة لساعات. فيما تنتظر بلديّات أخرى، مثل بيروت، مناقصات جديدة، كون البلديّة «استعادت» حقّ الجباية من هيئة إدارة السير بعد «نزاع» وصل إلى مجلس شورى الدولة.في بيروت باتت العودة إلى جباية الرسوم من العدّادات رهن الانتهاء من صيانتها من قبل شركة «دانكن نيد» التي تدير العدّادات «موقّتاً» وتقوم بصيانتها وجباية عائداتها لصالح هيئة إدارة السير وبتكليف منها، وفق اتفاقيّة انتهت صلاحيّتها عام 2010 بين الهيئة وبلديّة بيروت. والأخيرة كانت عمدت إلى فسخ عقدها مع الهيئة «لعدم تقاضيها أي أموال منها»، وفق ما أعلنت البلدية حينها، وتقدّمت بشكوى أمام مجلس شورى الدولة الذي كلّف لجنة خبراء للتدقيق في عائدات الباركميتر. مجلس الشورى طلب من البلديّة سلفة بقيمة 8 ملايين ليرة، هي قيمة أجرة عمل الخبراء ومكتب التدقيق المالي للكشف على الحسابات منذ عام 2006، وعلمت «الأخبار» أنّ السلفة وضعت على جدول أعمال المجلس البلدي بعد تأخير شهرين. وفي هذا الملف تحديداً، كان النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم ادّعى أخيراً على هيئة إدارة السير ومديرتها هدى سلوم والشركتين المهتمتين بعدّادات الوقوف وصيانة الإشارات الضوئيّة، بجرم «صرف نفقات خارج ما تنصّ عليه العقود مع البلديّات لتشغيل الباركميتر»، وأحيل الملف الى قاضي التحقيق الأول في بيروت.
مع ذلك، جرى التجديد، وكما كان يحصل في كلّ مرة منذ عام 2010، لعقد شركة «دانكن نيد» مع هيئة إدارة السير ولمدّة ستة أشهر إضافيّة. التجديد جرى قبل نحو شهرين خلال ولاية الوزيرة السابقة ريا الحسن. على هذا الأساس، تقوم «دانكن نيد» موقّتاً بالصيانة، من دون أي رابط مع البلدية إذ أنها في الأساس تعمل بتكليف من هيئة إدارة السير. مدير عام ورئيس مجلس إدارة الشركة شفيق سنّو، قال لـ«الأخبار» إن «العقد بين شركتنا والهيئة لا يزال قائماً وجرى تجديده في عهد الوزيرة الحسن لمدّة 6 أشهر. وعليه، يبقى أمامنا نحو 4 أشهر من العمل، إلى حين تسوية الأمور القضائيّة». ويفيد بأن الشركة «تقوم حالياً بصيانة العدّادات المتضرّرة في بيروت وقد بلغت نسبتها 10 في المئة من أصل مجموع العدّادات، كما جرى رفع العدّادات المتضرّرة كليّاً خاصة في محيط سوليدير»، أما العودة للجباية فهي «مرتبطة بعودة الأمور إلى طبيعتها وكذلك عودة قوى الأمن الداخلي إلى مساندتنا وتغريم المخالفين».
العودة الى جباية الرسوم رهن انتهاء صيانة العدّادات


بلديّة بيروت يُفترض أن تطلق مناقصة جديدة لتلزيم العدّادات على أن تعود الجباية لها وليس للهيئة. المناقصة ستجري وفق دفتر الشروط النموذجي الذي أعدّته هيئة إدارة السير، كما يفترض قانوناً، وأحاله محافظ بيروت القاضي زياد شبيب إلى دائرة المناقصات في التفتيش المركزي لإبداء ملاحظاتها. وقد علمت «الأخبار» أن «دائرة المناقصات أبدت رأيها بالشقّين الإداري والفنّي من الدفتر، وقد أحالهما شبيب تباعاً إلى دائرة الهندسة في البلدية، فيما لا تزال لدى دائرة المناقصات ملاحظات إضافيّة تبديها بعد تعيينها خبيراً لدرس شروط الدفتر».
على مقلب جونية بقيت العدّادات شغّالة، كما عاد العمل بها في جبيل، تحت إشراف شركة «دانكن نيد» نفسها المشغّلة للعدّادات بالتعاقد مع بلديّتيها. الشركة متعاقدة أيضاً مع عدد من البلديات، منها الزلقا وصيدا حيث العمل بالعدّادات لا يزال متوقّفاً، وتعمل أيضاً مع بلديّة فرن الشباك - عين الرمانة - تحويطة النهر، التي أُعيد تفعيل العمل بالعدّادات في نطاقها لمدّة يومين خلال الأسبوع الماضي، حيث تفاجأ المواطنون بعودة محاضر الضبط. لكنّ المسألة كانت «تجربة بطلب من البلديّة»، بحسب سنّو، موضحاً أنه «بإلحاح من بلديّة فرن الشباك والتجار ممن تضرّروا من ركن السيارات أمام محالهم لساعات، أعدنا العمل بالباركميتر... وطلعت الصرخة! اضطررنا إلى التوقّف، علماً أن التلزيم حصل وفق مناقصة رسميّة قبل 3 سنوات، والعقد مدّته 6 سنوات ولا يزال أمامنا 3 سنوات». من جانبه أعلن رئيس البلدية ريمون سمعان في حديث إذاعي أن العدّادات «موجودة فقط على طريق الشام أي الطريق الرئيسي».
على خطّ موازٍ وبينما يتوزّع نشاط المتظاهرين والمجموعات، فإن مجموعة «لا للباركميتر» انصبّ اهتمامها على العدّادات، ووفق ناشطيها «المجموعة شاركت في التحرّكات السلميّة ضدّ العدّادات، على أن نعرف أين تذهب أمواله؟ فهدفنا ليس الآلة الموجودة على جانب الطريق بل محاربة الفساد»، ولهذا السبب تعقد المجموعة اجتماعات مع الجهات المعنيّة بالملف، بانتظار حصولها على الإجابات المطلوبة.