انتهت الجولة الانتخابية، الثالثة خلال عام واحد، في إسرائيل، إلى فوز رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بفارق كبير عن تحالف «أزرق أبيض» (36 مقعداً مقابل 32) وفق النتائج شبه الرسمية التي صدرت أمس بعد فرز 97% من الأصوات. لكن هذا الفوز لا يعني أن المعركة حُسمت؛ إذ لا تزال كتلة اليمين والأحزاب الدينية غير قادرة على تشكيل الحكومة، على رغم نيلها 59 مقعداً، أي بفارق مقعدين عن غالبية الـ 61 المطلوبة، فهل يعني ذلك أن إسرائيل مقبلة على انتخابات رابعة؟ من المفيد التذكير، ابتداءً، بأن هذه الانتخابات، كما الجولتين السابقتين، لم تجرِ بين كتلة يمين وكتلة مقابلة وسطية ــــ يسارية، الأمر الذي يعني انتفاء الحديث فعلياً عن فوز اليمين في «الكنيست»، بعد اندثار اليسار الإسرائيلي بمعناه التاريخي، وتحوّل حزب «العمل» إلى حزب وسطي صغير على هامش الخريطة السياسية، في حين أن الحزب اليساري الوحيد المتبقي هو «ميرتس» الذي اضطر إلى الائتلاف مع «العمل» و«غيشر» كي يتمكّن من تجاوز العتبة الانتخابية، وإلّا لكان سقوطه وارداً جداً. وعليه، فإن التنافس وقع بين مكونات اليمين نفسه، فيما الأحزاب المتبقّية هي أحزاب هامشية تسهم في غَلَبة هذا اليمين أو ذاك. فـ«أزرق أبيض» مثلاً، الذي يوصف بأنه «وسطي»، تُشكّل عمادَه ثلاثة أحزاب؛ من بينها ما يمكن وصفه باليميني المتطرف، وهو يعتمد برنامجاً سياسياً لا يختلف كثيراً عما يعتمده «الليكود» إلا في الشكل وطريقة العرض، بل إن رئيس التحالف نفسه، بني غانتس، وَعَد، في مزايدة على نتنياهو، بأنه في حال فوزه سيعرض «صفقة القرن» الأميركية على «الكنيست»، ويُحوّلها إلى قانون نافذ يجري بموجبه ضمّ باقي الأراضي الفلسطينية.
واحدة من مفاجآت هذه الانتخابات فوز «المشتركة» بـ 15 مقعداً


مع ذلك، لا جدال في أن اليمين الإسرائيلي هو الذي فاز بالجولات الثلاث، لكن انفراد «إسرائيل بيتنا» اليميني، بقيادة أفيغدور ليبرمان، بكتلة مستقلة أراد من خلالها ابتزاز الأحزاب الدينية ونتنياهو معاً، منع اليمين من تشكيل الحكومة سابقاً، وهو ما قد يتكرّر حالياً. إلا أن ذلك لا يحجب حقيقة أن نتنياهو حقق فوزاً شخصياً كبيراً، من شأنه تعزيز موقعه ومكانته على الخريطة السياسية، بما يشمل رئاسة «الليكود» وقيادة الكتلة اليمينية، التي وإن لم تحصل على 61 مقعداً، غير أنها ضمنت تكليفه تشكيل الحكومة، على خلفية الفارق الكلّي في عدد المقاعد بينها وبين الكتلة المنافسة. على أن تكليف نتنياهو لا يعني بالضرورة أنه سيكون قادراً على التشكيل، وخاصة أن ليبرمان، الذي فاز كما يبدو بسبعة مقاعد، لا يزال يضع شروطاً على كتلته اليمينية من أجل الائتلاف معها. شروط إن لَيَّنها ليبرمان، فسيشكّل نتنياهو حكومته اليمينية الخالصة من غالبية 66 مقعداً، أما إن ثَبت على موقفه الرافض الائتلاف مع الأحزاب «الحريدية»، فلن يكون أمام زعيم «الليكود» إلا العمل على سحب منشقين من الكتلة المقابلة، سواء من داخل مجموعة غانتس، أو من داخل تكتل «العمل ــــ ميرتس ــــ غيشر». هنا، يحضر إلى الأذهان فشل نتنياهو في تحقيق سيناريو الانشقاق عقب الجولة الأولى من الانتخابات في نيسان/ أبريل الماضي، فهل ينجح اليوم في ما أخفق فيه سابقاً؟ لا يمكن الجزم بذلك، وإن أصبحت الخريطة البرلمانية أكثر مواتاةً لليمين و«الليكود» ورئيسه. وفي الإطار نفسه، تدّعي أوساط في «الليكود» (وفق صحيفة «هآرتس») أن الحزب توصّل إلى اتفاقات مع أعضاء «كنيست» من الكتلة المقابلة ومن «إسرائيل بيتنا» على دعم حكومة اليمين عبر الانشقاق عن أحزابهم، لكن ذلك قد لا يكون أكثر من محاولة للضغط على غانتس، ودفعه إلى تقديم تنازلات ضمن حكومة وحدة لا يمكن نفي احتمالاتها.
في المقابل، يبدو واضحاً أن حزب «أزرق أبيض» وكتلة الوسط ــــ اليسار أخفقا هذه المرة قياساً بما حقّقاه سابقاً، على رغم أن استطلاعات الرأي كانت تمنحهما تقدّماً ملموساً على «الليكود»، وبفارق مريح يصل إلى أربعة مقاعد. مع ذلك، لا يمكن استبعاد فرضية تكليف غانتس بتشكيل الحكومة نهائياً، إذ من الممكن أن يعمد كلّ من ليبرمان و«القائمة العربية المشتركة» إلى تسميته. لكن السيناريو الأكثر معقولية لجلوس غانتس على كرسيّ رئاسة الوزراء يظلّ اتفاق تناوب بينه وبين نتنياهو، ضمن «حكومة وحدة» قد يكون من المبكر الحديث عنها. أما المفاجأة الثانية في هذه الانتخابات، من بعد تقدّم اليمين، فهي فوز «المشتركة» (أحزاب فلسطينيي الـ 48) بـ 15 مقعداً، في حصيلة يمكن بالنسبة إلى البعض البناء عليها، فيما يعتقد آخرون بأنها ستتسبّب بمزيد من الإحباط الفلسطيني، وستؤدي إلى عزوف جديد عن صناديق الاقتراع، بالنظر إلى أن المؤسسة الإسرائيلية ستكون حريصة على منع ترجمة قوة القائمة إلى إنجازات، كما سيكون عليها إيجاد حلّ لمسألة الصوت الفلسطيني في الانتخابات وحضوره وتأثيره في نتائجها.
بالنتيجة، يمكن الحديث عن أربعة سيناريوات في أعقاب الانتخابات الثالثة: حكومة وحدة بعد تقديم تنازلات لغانتس، حكومة يمين كاملة بعد تراجع ليبرمان عن شروطه أو تليينها، حكومة يمين كاملة بعد وقوع انشقاقات داخل اليسار ــــ الوسط أو عن ليبرمان، والتوجّه إلى انتخابات رابعة لن تصبّ على أيّ حال في مصلحة «إسرائيل الدولة».