الخرطوم | يُجمع الشارع السوداني والقوى الأساسية فيه على تفسير واحد تقريباً لمحاولة اغتيال رئيس وزراء الحكومة الانتقالية، عبد الله حمدوك، بسيارة ملغومة استهدفت موكبه أثناء تحركه من مقر إقامته في حي «الواحة كافوري» بالخرطوم بحري إلى مقر عمله في العاصمة الخرطوم، ألا وهو ضرب «ثورة ديسمبر». يقول شهود عيان لـ«الأخبار» إن المتفجرات الموضوعة في سيارة سوداء أسفل جسر يربط المدينتين انفجرت على مرحلتين، فيما كان لافتاً أن لوحة الأرقام الخاصة بالسيارة لم تنزع عنها، كما أن الموكب تعرض لإطلاق رصاص، ما يدل على أن التنفيذ في جزء منه بأيدٍ داخلية، بغض النظر عن وجود توجيه خارجي. الغريب أيضاً أن أحداً لم يصب بأذى سوى درّاج وقع عن دراجته، ليسارع حمدوك ويطمئن الجميع عبر «تويتر» إلى أنه بخير، وأن «ما حدث لن يوقف مسيرة التغيير... والثورة محمية بسلميتها».مما يجمع عليه أيضاً أن محاولة الاغتيال زادت شعبية الرجل التي تراجعت قليلاً في المدة الأخيرة بسبب استمرار الظروف الاقتصادية الصعبة، رغم خطوات استرضاء الولايات المتحدة المتتالية (التطبيع مع إسرائيل، دفع تعويضات أهالي المدمرة «كول»، الاستعداد لتسليم الرئيس المخلوع عمر البشير، الاستعداد لتنفيذ التوصيات الدولية الاقتصادية)، بل خرج مئات المواطنين في مسيرات مؤيدة لرئيس الوزراء، خاصة أن تاريخ البلاد لم يسجل عمليات اغتيال بهذه الطريقة. سريعاً توجهت أصابع الاتهام إلى أنصار النظام السابق الذين تضررت مصالح عدد كبير منهم من جراء إجراءات الحكومة الانتقالية. وهؤلاء يعبّرون بوضوح عن تعويلهم على المكوّن العسكري في «مجلس السيادة»، كما يحرضون العسكر عبر العناصر الإسلاميين في الجيش للانقضاض على الحكومة المدنية.
لم يشهد السودان في تاريخه حوادث أو محاولات اغتيال بهذه الطريقة


مع ذلك، لا يستبعد كثيرون، ومنهم مسؤولون، تورط دول إقليمية في محاولة الاغتيال، خاصة أن كثيراً منها يسعى إلى إجهاض الحكومة المدنية والدفع بالعسكر إلى سدة الحكم في تكرار للمشهد المصري، فضلاً عن التوتر الأخير بسبب الموقف السوداني من أزمة «سد النهضة» وميله إلى الإثيوبيين، ما جعل كثيرين يحيلون العملية على القاهرة. مع ذلك، يعيب البعض على الحكومة أنها لم تحكم قبضتها على الأجهزة الأمنية أو تعد هيكلتها، كما أن قوات «الدعم السريع» أعلنت أكثر من مرة إلقاءها القبض على خلايا إرهابية كان منها أفراد عرب وُجد في حوزتهم متفجرات وأجهزة تحكم بعد، إضافة إلى حواسيب وطابعات ملونة للتزوير، طبعاً من دون أنباء إضافية عن مصير هؤلاء أو هل جرت محاكمتهم هنا أو في بلادهم.
الآن تزداد الخشية من تكرار عمليات تفجير مشابهة، ما دعا النائب العام، تاج السر الحبر، إلى مناشدة جميع المواطنين الإبلاغ الفوري عن أي تحركات مشبوهة، فيما أعلنت الأجهزة الأمنية فتح التحقيقات، مع شروع «مجلس الأمن والدفاع» برئاسة رئيس «السيادي»، عبد الفتاح البرهان، في اجتماع فور وقوع الحادث. وبينما وصفت «قوى الحرية والتغيير» محاولة الاغتيال بأنها «امتداد لمحاولات قوى الردة الانقضاض على الثورة وإجهاضها»، صدرت بيانات استنكار عربية ودولية.