«أعدّت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي جدولاً بالمباني المملوكة من الدولة اللبنانية والإدارات العامة غير المستخدمة والتي يمكن تحويلها مؤقتاً الى سجون بعد تخصيصها لهذه الغاية». ومن بين هذه المباني، في بيروت مبنى لوزارة الثقافة ضمن مجمع اليونسكو، قرب مجمّع الروشة والرملة البيضاء، وفي الشمال مبنى للجامعة اللبنانية، كلية العلوم، القريب من سجن القبة في طرابلس.ورد ذلك في «تقرير حول أوضاع السجون على ضوء مقترحات استصدار عفو عام»، قدمه وزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي، أمس، الى لجنة نيابية مخصصة لدراسة مشاريع قوانين العفو العام المقترحة على المجلس.
واللافت في نص التقرير هو إشراك «الهيئات الدولية المهتمة بهذا الملف» في «المسؤولية والمعالجة» لمشاكل السجون في لبنان، وذلك استكمالاً، كما يبدو، لما كانت قد بدأته الوزيرة السابقة للداخلية ريا الحسن (راجع «الأخبار»، 30 آذار 2019) التي كانت قد عقدت اجتماعات مع موظفين من السفارة الأميركية وسفارات أخرى لوضع «خريطة الطريق» من أجل «الانتقال بالسجون الى نظام احتجاز تأهيلي». وجاء في التقرير الذي قدمه فهمي الى النواب أنه «كان من المفترض أن تعرض الوزيرة الحسن خريطة الطريق على مجلس الوزراء، لكن استقالة الحكومة الماضية حالت دون ذلك»، علماً بأن أوضاع السجون في لبنان لم تلحظ أي تحسّن جدي خلال تولّي الوزيرة الحسن المسؤولية.
التقرير يحصر المشاكل التي تعانيها السجون بالاكتظاظ وارتفاع نسبة الموقوفين عن نسبة المحكومين وقدرة المباني الاستيعابية والنقص في العديد والعتاد، من دون أن يتطرق الى القانون الواجب احترامه في هذا المجال ومن دون أن يُذكّر النواب بأن المرجع القانوني لتنظيم السجون في لبنان هو المرسوم 14310 الصادر عام 1949 (منذ 71 سنة) وبعض التعديلات الطفيفة التي أدخلت عليه.
ورد في التقرير أن «مشكلة الاكتظاظ هي السبب الرئيسي حتى لا نقول الوحيد المسؤول عن الحال الذي وصلت إليه السجون»، وبالتالي أشار كاتب التقرير الى أن الحل يكمن في بناء سجون جديدة وهو ما تقوم به الدولة حالياً. غير أن الوقائع تشير الى غير ذلك. ففي محافظة البقاع وحدها أكثر من 20 ألف مطلوب، ما يعني أن السجون الجديدة التي لا يمكن أن تصل قدرتها الاستيعابية الى ألف سجين، لا تحل المشكلة.
والمستغرب إشارة التقرير الى أن إحدى مشكلات السجون «نوعية السجناء: إرهاب وتطرف، مخدرات، جرم الاتصال بالعدو...» بدل أن يعترف صراحة بأن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، التي تدير السجون حالياً، هي مؤسسة تفتقر الى الاحتراف والمهنية في التعامل مع هذه «الأنواع» من السجناء، وإدارة السجون ليست أصلاً من اختصاصها، بل هي مهمة أوكلت إليها منذ عشرات السنين. ولم يشر التقرير كذلك الى مديرية السجون التابعة لوزارة العدل ولا الى أي مسؤولية تتحملها هذه المديرية.
وحدد التقرير نسبة الاكتظاظ بحسب الطاقة الاستيعابية للسجون بـ 263.30 بالمئة. لكن النسبة الأكثر خطورة هي نسبة النظارات التي لا تتعدى المساحة المخصصة لكل موقوف فيها متراً واحداً بـ 22.99 بالمئة، ما قد يعني أن على ثلث عدد الموقوفين في لبنان أن يناموا وقوفاً إذا طال توقيفهم أياماً. ويشكّل ذلك انتهاكاً جسيماً لأبسط القوانين والحقوق الإنسانية.
1158 سجيناً هم من المرضى والطاعنين في السنّ والأشخاص المعوّقين


وعلى الرغم من انخفاض عدد السجناء من 8983 سجيناً يوم 21 شباط الفائت الى 7883 سجيناً يوم 30 نيسان الفائت وذلك بفضل الجهود التي تبذلها وزارة العدل لناحية تسديد الغرامات والاستجواب الإلكتروني والسعي الى تسريع بت طلبات إخلاء السبيل، ورد في التقرير أن مجموع الموقوفين في قضايا جنائية الذين تجاوزت مدة توقيفهم الاحتياطي السنة وصل اليوم الى 1684 موقوفاً. أما مجموع الموقوفين في قضايا جنحية الذين تجاوزت مدة توقيفهم الاحتياطي أربعة أشهر فوصل اليوم الى 612 موقوفاً، وهؤلاء ممن لا يزالون أبرياء بحسب القانون، إذ لم تجرّمهم أي محكمة.
ويضيف كاتب التقرير الى هذه الأرقام رقماً يثير القلق بشكل خاص في ظل انتشار فيروس كورونا في العالم، وهو مجموع «السجناء الذين يعانون من أمراض مستعصية أو تستوجب العلاج الدائم، والطاعنون في السن، وذوو الاحتياجات الخاصة والذين يعانون أمراضاً عصبية»، وقد بلغ 1158 سجيناً.
وأخيراً، يرد في التقرير تصنيف غير قانوني وغير مناسب أخلاقياً لمجموعة من السجناء، حيث يذكر تقرير رسمي مرفوع من وزير الى المجلس التشريعي «السجناء الإسلاميين» ويحدد عددهم بـ 768، علماً بأن الانتماء الديني أو حتى الانتماء لمجموعات دينية في لبنان لا يجرّمه القانون.