تعيش محافظة أبين اليمنية، غربي مدينة عدن، حالة حرب مفتوحة، منذ أيام، طرفاها القوات التابعة لحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، تساندها ميليشيات حزب «التجمّع اليمني للإصلاح» («الإخوان المسلمون» في اليمن)، والميليشيات المدعومة من الإمارات، بقيادة «المجلس الانتقالي الجنوبي». جانبا الصراع، المواليان لدول التحالف السعودي - الإماراتي، دفعا بكل ثقلهما العسكري إلى منطقة شقرة الواقعة بين محافظتي أبين وشبوة، والتي تتخذها قوات حكومة هادي منطلقاً لعملياتها العسكرية، ومنطقة قرن الكلاسي شرق مدينة زنجبار، عاصمة أبين، بينما تتموضع ميليشيات «الانتقالي»، التي تلقّت تعزيزات عسكرية كبيرة في خلال اليومين الماضيين من مدينة عدن ولحج والساحل الغربي، في مدينة زنجبار ووادي حسان والمناطق الساحلية في المحافظة.قوات هادي، التي تسيطر على قرابة 60% من مساحة محافظة أبين، ترى أن اقتحام زنجبار ضرورة للتقدّم عسكرياً نحو منطقة العلم الواقعة على مشارف مدينة عدن، لاقتحام عدن واستعادتها من يد «الانتقالي»، بينما تعزّز ميليشيات «الانتقالي» دفاعاتها في مدينة زنجبار، لكون سقوطها يعدّ سقوطاً لأولى خطوطها الدفاعية عن مدينة عدن. ونظراً إلى أهمية موقع محافظة أبين، الواقعة بين محافظتي عدن وشبوة، فإن المعارك التي تدور فيها مصيرية للطرفين.
منذ فجر الإثنين الماضي، اندلعت الاشتباكات في قرن الكلاسي الواقع شرق مدينة زنجبار، من جرّاءِ قيام قوات هادي باستحداث نقاط ومواقع عسكرية في المنطقة واستقبال تعزيزات عسكرية قادمة من محافظة شبوة، وهو ما تسبّب في إعادة التوتر بين الطرفين. اعتبر «الانتقالي» وصول تعزيزات كبيرة مكوّنة من 500 عنصر من ميليشيات «الإصلاح» للقتال تحت غطاء «الحكومة الشرعية» خرقاً للهدنة التي أبرمتها لجنة محلّية يقودها الأسير الجنوبي السابق أحمد عباد المرقشي، لتجنيب أبين ويلات الصراع. ورغم محاولة المرقشي التدخّل لتهدئة الأوضاع، فإن الأمور خرجت عن السيطرة إثر قيام قوات هادي بالهجوم والتقدّم نحو منطقة الشيخ سالم 7 كيلومترات شرقي مدينة زنجبار.
يعدّ سقوط زنجبار سقوطاً لأول خطوط «الانتقالي» الدفاعية عن عدن


رداً على ذلك، عزّز «الانتقالي» مواقعه الدفاعية شرقي زنجبار وتمكّن من السيطرة على مثلث منطقة أمعين، الواقع على تخوم مدينة شقرة ويربط بين طريق عدن - أبين بمحافظة شبوة، ليتّسع مسرح العمليات العسكرية بين الطرفين مساء الثلاثاء وصبيحة الأربعاء في أكثر من اتجاه. من جرّاء ذلك، تقدّمت قوات هادي، تساندها ميليشيات «الإصلاح»، في قرية الشيخ سالم، ونقلت المعركة إلى مناطق جديدة في وادي حسان شرقي مدينة زنجبار، وأعلنت في بيان لمحوري أبين وشبوة العسكريين بدء معركة زنجبار.
وعلى مدى الساعات الماضية، احتدمت المعارك على محورين: الأول، محور طريق الشيخ سالم ومنطقة الطرية والصحراء المجاورة لها في محيط مدينة زنجبار الخاضعة منذ آب / أغسطس لسيطرة «الانتقالي»، وكانت قوات هادي قد تقدّمت في منطقة الطرية، وتمكّنت من السيطرة على معسكر خاص بـ«الانتقالي» كان يضم مجموعة من العربات والمدرعات وراجمتي صواريخ.
المحور الثاني، محور الساحل، حيث تدور المعارك من اتجاه وادي حسان باتجاه المناطق الساحلية، حيث تحاول قوات هادي التقدّم وسط مقاومة شديدة من قبل «الانتقالي». ووفقاً لأكثر من مصدر، فقد سقط في المواجهات أكثر من 16 قتيلاً من قوات هادي وأصيب 50 جريحاً، أبرزهم قائد محور عتق عزيز العتيقي، في حين سقط قرابة 20 قتيلاً من عناصر «الانتقالي»، كما أسرت ميليشيات الأخير، خلال المعارك، 7 من قوات هادي.
الوضع المتأزّم بدأ مع قيام «الانتقالي» بـ«الانقلاب» على حكومة هادي في عدن، الشهر الماضي، بفرض الإدارة الذاتية في الجنوب والسيطرة على موارد المؤسسات الخدمية والإيرادية في عدن ومصادرة الأموال التي كانت في حسابات حكومة هادي في البنوك، وقيام ميليشيات تابعة له بتسلم البنك المركزي، الأسبوع الماضي، من القوات السعودية التي توّلت حماية البنك. يضاف إلى ما تقدّم قيام «الانتقالي» بإغلاق الحسابات البنكية الجارية أو حسابات الإيداع التابعة لحكومة هادي في «البنك الأهلي» بعدن، واستبدالها بحسابات جديدة باسم الإدارة الذاتية، وقيامه بوقف صرف رواتب الموظفين في المحافظات الشمالية الخارجة عن سيطرة حركة «أنصار الله»، كل ذلك دفع حكومة هادي إلى التصعيد العسكري ضد «الانتقالي» بدءاً من أبين.
اللافت أن قيادة دول التحالف، الداعمة لطرفي الصراع، كانت أوقفت التصعيد العسكري الذي أعلن في منتصف نيسان/ أبريل الماضي، ووجّهت قيادة التحالف في عدن بوقف التصعيد العسكري في شقرة بشكل كامل، عقب فشلها في إحياء تنفيذ «اتفاق الرياض» الموقّع بين طرفي الصراع، «الانتقالي» وحكومة هادي، في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر، برعاية سعودية إماراتية. إلا أن الصمت السعودي والتواطؤ، هذه المرّة، مع تحرّكات «الانتقالي» في عدن وفي جزيرة سقطرى (تشهد تحرّكاً عسكرياً للموالين للإمارات منذ أسابيع)، دفع العشرات من الناشطين الموالين للتحالف إلى اتهام الرياض بـ«الوقوف الضمني» إلى جانب «الانتقالي» لصالح الإمارات في المحافظات الجنوبية، نكاية بحزب «الإصلاح» الإخواني.