سوريا: آذار رابع... ولا ربيع | ريف دمشق | مع تدفّق أعداد كبيرة من المسلّحين الأجانب إلى سوريا، فقد المسلّحون السوريون، بالتدريج، الكثير من الاستقلالية في قرارهم. في السابق، حمل قسمٌ كبير من هؤلاء السلاح لكسب وزن جدّي في مواجهة الجيش السوري، يفوق وزنهم كمتظاهرين ومدنيين. كما استفادوا من الروابط الاجتماعية، العائلية والعشائرية، لتنظيم صفوفهم، وتصدّر وجهاؤهم مشهد التفاوض والتشاور واتّخاذ القرارات وحلّ المشاكل، سواء في ما بينهم، أو الناجمة عن فوضى الانخراط في مسار التسلّح، كتبادل الأسرى وضبط الأمن وعمليات وقف إطلاق النار.
لكن تزايد أعداد المسلّحين الغرباء غيّر طابع التنظيمات العسكرية المعارضة، ونقل مركز الثقل فيها من النمط المسلّح السوري التقليدي إلى القوى الأجنبية ذات الطابع الإسلامي «الدولي»، كـ«القاعدة». وهي قوى تستهجن عادةً الخصوصيات المحلية، وتغذّي الانتماء الإسلامي الجامع وتعتبر «سوريّة» أيّ مسلّح ضرباً من «الجاهليّة» المعاصرة!
يقول أحمد ناصيف، وهو مسلح سوّيت أوضاعه حديثاً في الزبداني، إنّ عبارة «لا فرق بين عربي وأعجمي إلّا بالتقوى» هي الأكثر شيوعاً على ألسنة المسلّحين الغرباء، لدى نشوب أي خلاف بين أحدهم وآخر سوري. ويضيف: «لا يريد الغرباء أن يكون الانتماء المحلي، أو السوري، مصدراً للتميّز عن باقي المسلّحين. لكنهم، في المقابل، لا يتوقّفون عن التغنّي بتغرّبهم ومعاناة ترك بلدانهم وراحة العيش لأجلنا». يفضّل الغرباء تصنيفات إسلامية قديمة، مثل «المهاجرين» و«الأنصار»، ودلالة هذا التشبيه هي «الإشارة إلى أنّهم هم أصحاب الدعوة بالأصل، ونحن لم نقم سوى بفتح بيوتنا لهم». ولا يتردّد المسلّحون الأجانب في إعطاء أنفسهم صفة «الأكثر تقوى»، والتي هي بالملموس الأكثر تديّناً، وتضحيةً، وإقبالاً على «الجهاد»، وخبرةً في الميادين العسكرية، وفي صناعة المفخّخات. وعلى هذا الأساس «ينصّبون أنفسهم قادة للعمل المسلّح، فيحيطون أنفسهم بالحراسة، ويتنعمون كقادة مدبّرين في مقار خاصة على هوامش الجبهات. ولدى وقوع هزيمة ما، ينتقلون ببساطة إلى جبهة أخرى، إذ لا يربطهم شيء بأية أرض».
«جبهة النصرة» أكثر التنظيمات، في ريف دمشق، التي اكتسبت وزناً بسبب وجود أعدادٍ كبيرة من الأجانب فيها. ويلحظ المتابعون أن «النصرة» كانت قبل نحو عامين تنظيماً صغيراً مقارنة بـ«الجيش الحرّ» الذي كان بمعظمه من السوريين، لكنّها كانت توصف بأنها تنظيم «نوعي»، بمعنى أنها كانت تلجأ إلى مواجهات غير مباشرة، مثل التفجيرات الانتحارية، وزرع العبوات الناسفة، والقدرة على إنجاز اختراقات أمنية كبيرة في العاصمة وريفها. أما اليوم فالوضع يختلف، يقول ح. عبد السلام، من حرستا، لـ«الأخبار»: «مقاتلو الجيش الحرّ هم الأكثر تهميشاً من بقية المسلّحين في الغوطة الشرقية. عملياً هم اليوم من رُفضت طلبات انضمامهم إلى النصرة أو الجبهة الإسلامية»، لأسباب مثل التدخين وعدم الالتزام بالفروض الدينية، أو لأسباب أخلاقية. أمّا «الجبهة الإسلامية»، التي يمثّلها فعلياً «جيش الإسلام» في الغوطة الشرقية، فهي «تضم أعداداً كبيرة من الغرباء في صفوفها. قياداتها سورية، ومن دوما، من الناحية الشكلية، لكن طابعهم يشبه طابع الغرباء إلى حد كبير، لجهة تغليب الانتماء الإسلامي».
ويصف أحد العسكريين السوريين الذي ساهموا في المفاوضات الأخيرة لتسوية أوضاع المسلحين، حال قادة المسلّحين من السوريين في الغوطة الشرقية بـ «المزرية»؛ فهم مطوّقون بنفوذ الغرباء، وليس بمقدورهم اتخاذ أي قرار من دون موافقة القادة الأجانب. ويروي لـ«الأخبار» عن اتصال أجراه مع قائد عسكري في «الجبهة الإسلامية»، وهو أحد أقارب أبو علي خبّية، الزعيم الدوماني الشهير الذي قتل في وقت سابق في مواجهات مع الجيش السوري، «طلبنا منه جثّة لجندي سوري كانت في حوزة المسلّحين، فردّ بأنه لا يمتلك الصلاحية للقيام بذلك. وهو احتاج إلى إذن عسكري من جبهة النصرة فقط، لكي يخرج من دوما إلى منطقة مجاورة».
التناقض بين الغرباء والمسلّحين المحليين كان أحد الأسباب التي دفعت الأخيرين إلى المضي في طريق التسويات، في ريف دمشق. وعند هذا المفصل بالذات بلغ ذلك التناقض ذروته، إذ وقفت «جبهة النصرة» في مواجهة الأوساط الاجتماعية الميّالة إلى التسويات، ومنها المسلّحون المحليون، فاغتالت عشرات الوجهاء والناشطين المشاركين في الإعداد للتسويات، في مخيّم اليرموك والزبداني ومضايا والمعضمية وبعض بلدات الريف الجنوبي، ما أدى بدوره إلى «تعاظم العداء للأجانب بدرجة كبيرة، ما وضع جبهة النصرة أما خيارين: إما مواجهة الأهالي والمسلّحين المحليين، أو الانسحاب»، يقول مسلّح سوّى أوضاعه أخيراً.
وللغرباء، بدورهم، تصنيفات خاصة. إذ يقول مصدر مطلّع لـ«الأخبار» إنّ الأهمية «النوعية» للمسلّح الأجنبي تأتي شكلياً من «جهاديته»، إلا أن الأمر فعلياً منوط بالطرف الراعي في الخارج، وحجم الدعم والمعلومات التي يحصل عليها منه. ويعد السعوديون والشيشان والأفغان من الصنف «الأتقى»، فيما يعدّ المصريون والليبيون والتونسيون من «الجهاديين الحديثين»، الأقل خبرة ونفوذاً.