منذ انتصار الثورة الإيرانية، لم تسترح سويسرا، بصفتها راعية لمصالح واشنطن في طهران، من أعباء الوساطة بين الطرفين، إلا في فترة وجيزة عندما أوجدت المفاوضات النووية مساحة للحديث المباشر بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ونظيره الأميركي الأسبق جون كيري. وقد أثمرت الجهود السويسرية، أول من أمس، إنجاز صفقة تبادل للسجناء بين الطرفين، أفرجت بموجبها إيران عن البحّار الأميركي مايكل وايت، فيما أطلقت الولايات المتحدة سراح الطبيب الإيراني الأميركي مجيد طاهري، المقيم منذ 33 عاماً في ولاية فلوريدا الأميركية.نجاح سويسرا لم يكن الأوّل على صعيد محاولات من عدّة أطراف لردم الفجوة المتفاقمة بين الطرفين، إذ أثمرت جهود سابقة لها في إنجاز صفقة لتبادل السجناء أواخر العام الماضي. أسّس ذلك في حينه لبناء أوّل مدماك في جدار الثقة الذي عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بإجراءاته، لينسف أساساته. «ثقة» كانت بُنيت بذات الطريقة في عهد سلفه باراك أوباما، حين دخلت سلطنة عُمان على خط الوساطة عام 2009، وأنجزت في خضمّ تصعيد متبادل في حينه صفقة قادت إلى إفراج إيران عن ثلاثة أميركيين اعتقلتهم على حدودها مع كردستان العراق، فيما دفعت واشنطن لطهران في هذه الصفقة مليون ونصف مليون دولار، حمل هذا المبلغ الوسيط العُماني ناصر الإسماعيلي بطائرته إلى طهران.
على ضوء ما سبق، فإن كل صفقة تبادل تُعيد إلى أذهان المراقبين ذلك المسار الذي أفضى بعد ست سنوات لتوقيع الاتفاق النووي. كما أن ترامب لم يتوان بعد الصفقة الأخيرة، والتي سبقتها في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن التأكيد أن «ما جرى يظهر إمكانية الوصول إلى اتفاق»، وهو الأمر الذي سارع ظريف للرد عليه بالقول: «(إننا) لم نترك الطاولة. فريقك الذي أطلق النار بغباء على الاتفاق النووي هو الذي دعاك للانسحاب منه. نحن لا نزال على طاولة الاتفاق النووي، والأمر متروك لك لتقرّر متى تريد إصلاح الخطأ».
ترى طهران، وفق الباحث الإيراني صابر غل عنبري، أن «إصلاح الخطأ يتمثّل في عودة أميركا عن العقوبات»، موضحاً لـ«الأخبار» أن «طهران ليس لديها استعداد للقبول بأقل من ذلك». ولقطع الشك باليقين، جزم الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، بأنه «لن يكون هناك أي مفاوضات مع الإدارة الأميركية»، مشيراً إلى أن «تبادل السجناء لم يأت نتيجة لمباحثات». علاوة على ما سلف، يستذكر صابر غل عنبري تفاصيل المواجهة التي اشتدّت بعد نجاح حادثة التبادل الأولى، ووصلت إلى ذروتها باغتيال الجنرال قاسم سليماني، ليخلص إلى أن «الظروف الحالية، بما فيها محاولات أميركا لتمديد حظر التسلح الدولي المفروض على إيران والتوتر الذي حدث في المياه الخليجية قبل أسابيع، لا تؤشر إلى إمكانية حدوث اتفاق، حتى وإن تمكّنوا من إتمام صفقة لتبادل السجناء».
الجدير ذكره أن ترامب، وفي معرض توجيه الشكر إلى إيران لإبرام الصفقة، دعاها إلى عدم الانتظار لما بعد الانتخابات الأميركية. وبعد توعّده بالفوز، قال: «عقد صفقة أفضل الآن». لكنْ في طهران ثمّة من لديه تقدير مختلف، استناداً إلى أزمتَي الجائحة وتداعياتها الاقتصادية والاحتجاجات القائمة الآن ضد العنصرية. وهو أمر يدفع، وفق هذه الرؤية، إلى استعجال ترامب اتفاقاً مع إيران ليستخدمه لصالحه في البازار الانتخابي. لكن، وفق ما يتردّد في طهران، فإن إيران قد تفضّل التأنّي لانتظار مصير الانتخابات أملاً في مجيء إدارة ديمقراطية.