شهد سعر صرف الليرة السورية، أمس، استقراراً مؤقتاً عند حدود 2400 ليرة لكل دولار، بعد أسبوع من التقلبات غير المسبوقة؛ وذلك وسط جمود شبه تام في سوق الصرف مع إحجام المتعاملين عن التداول بسبب ارتفاع هامش المخاطرة. ولا يرجّح أن يبقى السعر عند هذه العتبة لفترة طويلة، إذ لا تزال الظروف التي تسبّبت بانزلاقه الأسبوع الماضي قائمة بلا تغييرات تُذكر، رغم جملة الإجراءات الحكومية التي جمّدت معظم قنوات التداول في السوق غير الرسمية. كذلك، فإن استقراره عند هذا الحدّ لن يحيّد الآثار السلبية على معيشة السوريين، بعد ارتفاع أسعار الخدمات والسلع الاستهلاكية إلى حدود بعيدة عن القدرة الشرائية لغالب الشرائح المجتمعية.وفي مقابل رسائل الوعيد الأميركية المتكرّرة إلى دمشق، جدّد السفير الروسي والممثّل الخاص للرئيس الروسي لتطوير العلاقات مع سوريا، ألكسندر يفيموف، التأكيد على أهمية تطوير التعاون بين موسكو ودمشق. وفي كلمة مصوّرة لمناسبة العيد الوطني لروسيا الاتحادية، قال يفيموف من مكتبه في سوريا إن «من المستحيل تحطيم بلدينا بالإرهاب الاقتصادي... وستفشل هذه المحاولات مثلما فشلت محاولات فرض الإرادة الأجنبية بقوة السلاح على سوريا»، مشدداً على أن روسيا ستواصل دعم سوريا في هذه الظروف الصعبة.
الموقف الروسي الذي ردّدته أوساط مسؤولة مراراً جاء توازياً مع حديث هاتفي لافت بين المبعوث الأميركي إلى سوريا، جايمس جيفري، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، بحثا خلاله «العملية السياسية لتسوية الأزمة السورية وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، الذي ينص على سيادة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية» إلى جانب «نقاش التطورات الأخيرة في إدلب وشمال شرقي سوريا وجنوبها الغربي» على حدّ ما قال بيان وزارة الخارجية الأميركية.
طرق التهريب مع الحدود، على خلاف ما يُروّج إعلامياً، تميل كفّتها إلى الجانب اللبناني


نشاط القنوات الأميركية الروسية، لم يخفّف وتيرة الحملة الإعلامية الأميركية للترويج لنهج العقوبات، وانبرى «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» للتأكيد على أهمّية التزام إدارة دونالد ترامب بإعطاء الأولوية للملف السوري لمتابعة فرض العقوبات بشكل فعّال، وذلك برغم اعتراف المعهد ذاته في تقرير أمس، بـ«فشل استراتيجية استهدف النظام بشكل مباشر - بما في ذلك من خلال العقوبات التي تبنتها مجموعة أصدقاء سوريا في عام 2011 والحكومة الأميركية قبل سنوات - في تغيير سلوك (الرئيس بشار) الأسد». ولم يغفل التقرير التنويه بانجذاب عدد من رجال الأعمال العرب، ولا سيما من الخليج العربي، إلى الاستثمار في سوريا خلال العامين الأخيرين، رغم العقوبات المفروضة.
الموقف ذاته كرّره المبعوث الأميركي للشأن الإيراني براين هوك، في حديث إلى قناة «العربية» السعودية، وإن بطريقة أوضح؛ إذ قال إن واشنطن «لن تمنح سنتاً واحداً من مساعدات إعادة الإعمار حتى نرى القوات الإيرانية خارج سوريا»، مضيفاً القول: «نريد رؤية جميع القوات الإيرانية وجميع القوات تحت قيادة إيران تخرج من سوريا». وقال هوك إن روسيا «لا تستطيع تحمّل الكلفة» وحدها، وهم يعرفون أن «هناك حاجة إلى وجود مانحين دوليين»، على حد قوله.

قيودٌ لضبط السوق
لم يصدر عن الحكومة السورية خطّة واضحة ومتكاملة تهدف إلى ضبط سعر الصرف وفق أدوات نقدية صريحة. واكتفت بتشديد الخناق على التحويلات المالية غير الرسمية، برغم أنها تشكّل مورداً مهمّاً للقطع الأجنبي من الخارج.
ورغم ذلك، برزت في خلال الأيام القليلة الماضية جملة إجراءات قد تكون مقدّمة لضبط تضخم الأسعار، الذي يُعد أقرب «الآثار السلبية» إلى الشارع. ففي آخر اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة عماد خميس، قبل إقالته، أُقرّت إجراءات جديدة «لمكافحة التهريب» تتضمّن «التشدد في ضبط المعابر والمناطق الحدودية... والتشدّد في محاربة التهريب على الطرق الدولية ومداخل المدن الرئيسة»، مع الإشارة إلى أن التهريب «يرفع الطلب غير الاقتصادي» على القطع الأجنبي.
انعكاس ذلك على الأرض جاء عبر توجيهات غير رسمية لوقف ما يسمّى «الترسيم على المعابر»، أي إلغاء الرسوم «غير الرسمية» التي كانت تُفرض على الحواجز والمعابر مع المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، وعلى الطرق الدولية، كما على بعض المعابر الحدودية غير الشرعية. ولم يخرج أي قرار حكومي رسمي في هذا الشأن، لأنه لا يخضع للإشراف الحكومي، بل تتقاسمه عدة جهات أمنية نافذة تختلف من منطقة إلى أخرى. وتهدف الخطوة إلى تقليل كلفة نقل السلع والمنتجات عبر تلك المعابر والحواجز، بما ينعكس على سعرها النهائي في الأسواق، إلى جانب تخفيف الطلب على الدولار لتغطية تلك الرسوم، التي كانت تُدفع بالعملة الصعبة في الغالب. وترافق ذلك مع تشديد الرقابة على طرق التهريب مع الحدود اللبنانية، والتي على خلاف ما يروّج له إعلامياً تميل كفّتها إلى الجانب اللبناني من حيث قيمة وتواتر نقل البضائع والسلع، ولا سيما وسط تقلّبات سعر صرف الليرة اللبنانية وشحّ عديد من المستوردات بسبب نقص تمويلها بالعملة الصعبة.