بلغة مليئة بـ«نوستالجيا» الماضي، خاطب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، قادة ما كان يسمّى «جيش التحرير الشعبي»، مؤكّداً أمامهم أنهم لن يكونوا مستعدين لأي حرب عسكرية، إنّما لمواجهة خطر الجوع، وأن «على الجميع التضامن للصمود في المرحلة المقبلة». وجيش التحرير، هو التنظيم العسكري الذي تأسس بداية من مقاتلين ورجال دين دروز، ثم خاض جنبلاط تحت لوائه معارك الاشتراكيين في محطات الحرب الأهلية اللبنانية، وكان جزءاً من هيكلية الإدارة المدنية، التي أدارت مناطق واسعة من الشوف بديلاً من الدولة في مرحلة الثمانينيات.يوم السبت الماضي، اختار جنبلاط أن يلتقي مع مسؤولي حزبه، على مختلف مستوياتهم القيادية، في ظلّ حالة الانهيار الشامل الحالية التي تضرب البلاد، ودعوات إلى الأمن الذاتي من هنا وهناك في لبنان والجبل، والمستقبل الأمني والاقتصادي المظلم الذي تنبئ عدّة حوادث أمنية أخيراً بتفاقمه في وقت قريب. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن لقاء جنبلاط ضمّ آمري الفصائل والمحاور وقادة القطاعات السابقين في «جيش التحرير الشعبي»، و«وكلاء الداخلية» ومسؤولي المناطق وكذلك مسؤولي الإدارات الأدنى، إضافة إلى نوّاب كتلة اللقاء الديموقراطي.
طبعاً، لا يمكن لجنبلاط أن يقدّم نفسه بريئاً من مشاركته الأساسية في مرحلة سياسية وعسكرية واقتصادية ساهمت في وصول لبنان إلى ما هو عليه اليوم، بالتوازي مع حملة الحصار الأميركية والضغوط الغربية. وهو لم ينكر ذلك أمام محازبيه، كعادته في إعلان تحمّله المسؤولية «معنويّاً»، علّه يخفّف من عبء تحمّلها فعليّاً. لكن بلا شكّ، فإن خطابه الداخلي، يؤشّر إلى قلق كبير من انعكاس ما يحصل سياسياً واقتصادياً وأمنيّاً، على الساحة الدرزية، وتحديداً على العلاقة مع حزب الله، وما يدفعه إلى دينامية أكثر ثباتاً نحو حصر المواجهة السياسية مع الرئيس ميشال عون، ومدّ جسور التعاون والانفتاح مع حزب الله وتيار المستقبل. ولا يهمل جنبلاط وجود أصوات تحريضية، داخل الطائفة، كان خطابه المتوتّر والتحريضي سبباً في تفاقم دورها، إلّا أن حملة «تهدئة الرؤوس الحامية» المستمرّة من قبل رئيس الاشتراكي تعمل بالاتجاه المعاكس، على منع أي خطاب متوتّر. ولا يهمل جنبلاط أيضاً، السعي الإسرائيلي الحثيث لتحريك الساحة الدرزية، من فلسطين إلى الجولان والسويداء ولبنان في اتجاه معادٍ لتكتل قوى المقاومة، ولا سيّما بوجه سوريا وحزب الله في لبنان، وتلاصق الأجندات الأميركية والإسرائيلية إلى هذا الحدّ، الذي يضيّق هامش الحركة الجنبلاطية إلى حدودها الدنيا. ويبدو هاجس الانهيار الاقتصادي وخطر الجوع، أحد أبرز محرّكات جنبلاط نحو التهدئة السياسية، والتفرّغ للتخفيف من آثار الأزمة عبر تقديم مساعدات محدودة وغير كافية لتغطية آثار انقطاع السلع وغلاء الأسعار.
وخاطب جنبلاط مسؤوليه العسكريين بالتذكير بمرحلة الحرب، مؤكّداً أنها «كانت مرحلة قاسية ومليئة بالدماء، لكن المرحلة الحالية ستكون أصعب، لأنها ليست حرب بنادق وإنّما حرب تحمّل الجوع والحصار». وأضاف إنه «في الماضي، كان هناك عدو واضح هو العدو الإسرائيلي والقوى الانعزالية، أما اليوم فلا يزال لدينا العدو الإسرائيلي. وفي الماضي كان لدينا حلفاء، واليوم لا حلفاء لنا».
قصد جنبلاط أحداث 11 أيار حين قال «علينا أن نقفز فوق جراح الماضي»

وفيما لم يسمّ جنبلاط حزب الله بالاسم، إلا أنّه أكّد «لن نقاتل أحداً أو ننخرط في أي حرب، ومهمتنا جميعاً حفظ البلد حتى تمرّ هذه المرحلة». وقال «علينا أن نقفز فوق جراح الماضي (في إشارة إلى أحداث 11 أيار 2008)». وأكد جنبلاط أمام مسؤوليه، أنه يعارض قطع الطرقات في البلد، وتحديداً طريق الجنوب والبقاع، مشيراً إلى أن «هناك حساسية عالية لدى حزب الله من مسألة قطع طرقات الجنوب والبقاع، وهذا الأمر سيحدث فتنة إذا استمر».
وفي ما يتعلّق بالانهيار الاقتصادي، أكّد جنبلاط أن «هذه هي المعركة الحقيقية، أن نصمد بوجه خطر الجوع والانهيار المالي»، مؤكّداً أنه «بحسب الحسابات، نستطيع الاستمرار بالتقديمات والمساعدات التي نعمل عليها حالياً حتى عام، لكن لا أعرف أبعد من ذلك ماذا سنفعل».
وفي ختام حديثه، قال جنبلاط لمسؤولي جيشه السابقين، «الآن قمنا بتسليم وكالات الداخلية إلى الشباب، هؤلاء دورهم اليوم وأنا وأنتم من الجيل القديم، صار عمري 71 سنة، فلنتركهم يقوموا بعملهم وتجربتهم ولنساعدهم ونقف إلى جانبهم».