مع تهاوي سعر صرف الليرة مقابل الدولار، أصرّت شركة «طيران الشرق الأوسط» - الناقل الوطني بالمناسبة! - على تقاضي أسعار بطاقات السفر من اللبنانيين بالعملة الأميركية. لم تتنازل عن فلس واحد من أرباحها، حتى مع وقوف البلاد على حافة الانهيار، فارضة تسعيرة الدولار على ناس يتقاضون رواتبهم بالليرة. اليوم، تسير شركة «ميدل إيست للشحن» (middle east cargo) على خطى الشركة الأم، فارضة على شاغلي مكاتب في مبناها في المطار (مخلّصو بضائع ووسطاء نقل وآخرون) الدفع بالدولار حصراً، إما نقداً أو عن طريق شيك مصرفي، ما دفع كثيرين من هؤلاء إلى «هجرة» مكاتبهم والانتقال الى أماكن أخرى.في أيار الماضي، أرسلت الشركة كتباً إلى هؤلاء تطالبهم بدفع 8 آلاف دولار (بدل عام من الإشغال). ولما كان تحصيل الدولار مستحيلاً، كان التحرك الأول لشاغلي المكان نحو إدارة الشركة للمطالبة بحلولٍ أخرى تعفيهم من دفع مبلغٍ يستحيل تأمينه في ظل الأزمة المالية، كأن يكون بالدفع بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف الرسمي، إلا أنهم جوبهوا بالرفض. جلّ ما وافقت عليه الشركة خفض البدل السنوي بنسبة 50% لمرة واحدة، من دون التنازل عن عملة الدفع. ولما لم يصل الطرفان إلى حلول وسطية، «اضطررنا إلى ترك المكتب لأنه لا قدرة لنا على الدفع بالدولار في هذه الأحوال»، على ما يقول خليل صبرا الذي كان يشغل أحد المكاتب. ومثله فعل ماجد دكروب وفضل حمود وآخرون تركوا مكاتب الشركة لعدم قدرتهم على التسديد بالدولار. يحدث ذلك في الوقت الذي لا تزال فيه شركات كبرى تتقاضى الدولار على أساس سعر الصرف الرسمي، إذ يؤكد أحد المخلّصين أن «شركة DHL الدولية بقيت الى ما قبل فترة وجيزة تتقاضى وفق سعر الصرف الرسمي، قبل أن ترفعه أخيراً الى 3200 ليرة». وحتى عندما طرح «المستأجرون» فكرة الدفع باللبناني «ما قدرنا وصلنا لمحل، لأنها تريد استيفاء المبلغ على سعر الصرف الذي يكون عليه الدولار في يوم الدفع!»، يقول فضل حمود. أما مصادر الشركة، من جهتها، فتؤكد أنه «من باب إحساسنا بوضع الناس، عمدنا إلى خفض قيمة المبلغ، وقدّمنا تسهيلات في الدفع عن طريق شيك مصرفي».
تدفع الشركة إيجار مبنى الشحن للدولة بالليرة وتتقاضى بدل تأجيره بالدولار!


كثيرون غادروا الى مكاتب في مبنى نقابة المخلصين ووسطاء النقل، حيث لا يزال الدفع بالليرة اللبنانية، وهو ما يفضح جشع «الشرق الأوسط للشحن»، إذ إن مبناها، كم مبنى النقابة، شُيّدا فوق أرض مستأجرة من الطيران المدني، أي الدولة، وكلاهما يدفعان بدل الأرض بالليرة. رغم ذلك، تصرّ «ميدل إيست للشحن» على جني الأرباح على «ضهر» الدولة. زد على ذلك أن «البدل الذي ندفعه لقاء المكاتب الصغيرة جداً يفوق الـ600 دولار شهرياً، وكأننا في سوليدير»، يقول أحد مخلصي البضائع، علماً بأنه على بعد عشرات الأمتار، في مبنى النقابة، يبلغ البدل الذي يدفعه هؤلاء «4 ملايين ليرة سنوياً للمكتب الكبير ومليونين للمكتب الصغير، أي بين 150 ألف ليرة و300 ألف شهرياً»!
في المبدأ، يحق لـ«مالك» المبنى أن يفرض على المستأجر نوع العملة التي يريد أن يستوفي إيجاره بها. حق، لكن ليس في حالة شركة الشحن. فهذه الأخيرة وإن كانت تملك المبنى، إلا أنه قائم على أرضٍ مستأجرة من الدولة. وفي هذه الحال لا يحق للمستأجر أن يؤجر وفق القانون. ولكن بما أنه جرت العادة على أن يُتحايل على القانون، استطاعت الشركة التفلت من المخالفة وتأجير المكاتب على قاعدة أنها «تقدم خدمات» وبابتكار مصطلحٍ «بدل خدمات» تتقاضاه بالدولار، فيما تدفع هي بدل إيجارها بالليرة اللبنانية.