تمضي الأزمة اللبنانية نحو مزيد من التأزم، مُثقلة بمسارات صعبة طبعت في الأيام الأخيرة عناوين السياسة والمال والاقتصاد والصحة. ترافق ذلك مع مؤشرات لواقع قد يكون الأكثر خطورة، سواء على خط معركة الحياد التي أطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي، أو لجهة تخبّط الطبقة الحاكمة في محاولاتها إخراج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من دائرة التعثر، بالتوازي مع فقدان المناعة ضد فيروس كورونا الذي وجد طريقه إلى التغلغل في عدد كبير من المناطق.وفيما يشتدّ خناق الوضع المعيشي وارتفاع سعر صرف الدولار والسلع على اللبنانيين، وصل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان الى بيروت، أمس، في زيارة تستمر حتى يوم غد، يلتقي خلالها الرؤساء: ميشال عون، نبيه بري وحسان دياب، ووزير الخارجية ناصيف حتّي والبطريرك الراعي. وفي وقت يسعى فيه المتماهون مع الحصار الأميركي من حلفاء واشنطن في الداخل إلى عزل حزب الله وتحميله نتائج أزمات البلاد، علمت «الأخبار» أن تواصلاً فرنسياً مع الحزب سبق الزيارة، ربما يكون تمهيداً للقاء يعقده وزير الخارجية الفرنسي مع وفد من حزب الله.

(هيثم الموسوي)

وصول لو دريان سبقه خبر نقلته قناة «الحدث» السعودية عن دبلوماسي فرنسي أشار إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون «سيعلن خطة شاملة لمساعدة لبنان تتضمن فتح خطوط اعتماد مالية»، لافتاً الى أن الحكومة اللبنانية، التي تسلّمت السلطة منذ 6 أشهر، «لم تقم بأي إصلاح جوهري، في وقت لبنان في أمسّ الحاجة إلى الإصلاح، واللبنانيون ينادون به». وقال إن لو دريان «يحمل رسالة تضامن مع شعب لبنان ورسالة حزم إزاء سلطاته».
وبمعزل عن مدى دقة الخبر، وحقيقة التوجّه الفرنسي إلى مثل هذا النوع من المساعدة ومدى ارتباطه بضوء أخضر أميركي، في ظل حديث عن عدم رغبة واشنطن في دفع البلاد إلى الانهيار الكامل، إلا أن المُفترض أن يسمع المسؤولون اللبنانيون من الضيف الفرنسي تأكيداً على الالتزام بدفتر شروط الإصلاحات لمدّ يد العون الغربية إلى لبنان وانتشاله من أزمته.
وبالتزامن، أعلنت السفارة البريطانية في لبنان أن الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط جايمس كليفرلي سيزور لبنان «افتراضياً» اليوم، وأن على جدول أعمال «الزيارة» برنامج «لقاءات حافلاً مع المسؤولين اللبنانيين، والمؤسسات والشركاء في البرامج الممولة من المملكة المتحدة»، لافتة الى أن «الإصلاح والاقتصاد والأمن ستكون على رأس جدول الأعمال».
في غضون ذلك، يبدو أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في صدد خوض معركة في وجه التدقيق الجنائي في عمل «المركزي»، بعد قرار الحكومة تكليف شركة «ألفاريز آند مارسال» إجراء هذا التدقيق، وشركتي «كيه. بي. إم. جي» و«أوليفر وايمان» إجراء تدقيق مالي. إذ بدأ باللجوء الى استخدام ورقة القانون، وتسريب أخبار عبر وسائل إعلام عن أن «استقلالية المصرف المركزي، بموجب السرية المصرفية وقانون النقد والتسليف، تحول دون تزويد هذه الشركات بأي معلومات».
رئيس الحكومة ناقش مع السفيرة الأميركية إعفاءاتٍ للبنان من عقوبات «قيصر»


وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن سلامة بات يعتبر نفسه، بعد تكليف الشركات الثلاث، «تحت الحصار»، مع شعوره بتلاشي مظلة الحماية التي كانت تؤمنها المؤسسات الدولية له، إذ إن صندوق النقد يطالِب بالتدقيق ويشدّد عليه، وينظر بسلبية إلى أداء سلامة والمصرف المركزي كما ظهر جلياً في الاجتماعات التي عقدها وفد الصندوق مع الحكومة اللبنانية للبحث في خطتها الإصلاحية، فضلاً عن تراجع حظوة «الحاكم المميّز» لدى مؤسسات إعلامية متخصصة بالقضايا المالية والنقدية. فصحيفة «فايننشال تايمز» أشارت أخيراً الى أن سلامة «عزّز بشكل تعسّفي أصول مصرف لبنان بما لا يقلّ عن 6 مليارات دولار، عبر استخدام إجراءات محاسبية غير تقليدية، فيما كان النظام المالي في لبنان على طريق الانهيار»، علماً بأن الرجل لا يزال يتمتع بحماية أميركية وداخلية (سياسية وطائفية ومالية) ربطاً بالمصالح التي كانَ يؤمنها للطبقة الحاكمة.
من جهة أخرى، بحث رئيس الحكومة حسان دياب مع السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، التي زارت السرايا الحكومية أمس، في الجهود التي تبذلها الحكومة لمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وقد علمت «الأخبار» أن الحديث تطرق إلى «الإعفاءات من العقوبات الأميركية التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا، وفق مقتضيات قانون قيصر».