عندما «بشّرت» مستشارة رئيس الحكومة للشؤون الطبية بترا خوري، أول من أمس، المُقيمين في لبنان بـ«أننا سنبدأ قريباً برؤية مشاهد مروعة في مُستشفياتنا... وعلى هذه الوتيرة من الإصابات ستمتلئ أسرّة العناية الفائقة في منتصف آب»، لم تكن تحثّ المُقيمين على ضرورة الحذر فقط، بل لأنها تُدرك جيداً الواقع الصحي والاستشفائي المترنّح - قبل فورة ارتفاع الإصابات - الذي لن يحتمل مواصلة تسجيل أرقام مرتفعة لأسبوع آخر (سُجلت أمس 168 إصابة: 152 مُقيماً و16 وافداً).وفي السياق، أعلن رئيس مجلس إدارة مُستشفى رفيق الحريري الحكومي فراس الأبيض مُشارفة المُستشفى على بلوغ قدرته الاستيعابية القصوى مع استقباله كل المُصابين الذين تستدعي حالاتهم الاستشفاء. وهو ما يدحض مزاعم «جاهزية» المُستشفيات الحكومية في المناطق التي وُعد المقيمون بها منذ آذار الماضي.
يعني ذلك، بوضوح، أن خطورة الوضع لا ينبغي أن تُلقى فقط على تفلّت المُقيمين والمُغتربين الوافدين فقط كما يروّج عدد من المسؤولين، بل أيضاً على الجهات التي كان يُفترض بها، خلال الأشهر الأربعة الماضية، أن تستعد لاستيعاب الواقع الوبائي المستجد في ظل التوقعات العالمية التي كانت تشير الى حتمية حدوث موجة ثانية من الوباء.
ففي 20 آذار الفائت، أعلن رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي أن 12 مُستشفى حكومياً في المناطق ستكون «جاهزة في غضون أيام» لاستقبال المصابين بالفيروس. آنذاك، كانت اللجنة تدرس تجهيز المُستشفيات الحكومية المتبقية ليُصبح العدد 29 مُستشفى حكومياً، إضافة إلى 10 مُستشفيات خاصة كمرحلة أولى، «مع احتمال فرض الأمر على مُستشفيات أخرى إذا ما دعت الحاجة». ووقتذاك، احتسبت غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث عدد الأسرّة المفترض بـ 1879 سريراً و 336 عناية فائقة و215 سرير طوارئ في المُستشفيات الحكومية، و9523 سريراً و1972 عناية فائقة و878 طوارئ في المُستشفيات الخاصة، فيما قدّر وزير الصحة العامة حمد حسن عدد أجهزة التنفس المخصصة لمرضى كورونا بنحو 700.
أربعة أشهر مرّت على هذه التقديرات، والنتيجة أن لا المُستشفيات الحكومية الـ12 تمّ تجهيزها «خلال أيام»، ولا وصل عدد المُستشفيات الحكومية المفترض تجهيزها إلى 29، فيما المُستشفيات الخاصة التي تترنح بفعل الأزمة الاقتصادية، لا تزال غالبيتها عازفة عن استقبال الحالات غير الطارئة. أما أجهزة التنفس الاصطناعي، فتفيد معلومات «الأخبار» بأن جزءاً كبيراً من المعدات التي تحتاج إليها لا يزال مفقوداً بفعل تطور أزمة استيراد المُستلزمات الطبية. وكانت تقديرات نقابة مستوردي المستلزمات الطبية تشير، في آذار، الى أن 80% من الأجهزة التي كانت متوفرة آنذاك لا تعمل. ومذاك، لم يطرأ أي تغيير على هذا الواقع.
أخفقت السلطة في الأشهر الأربعة الماضية في الاستعداد للموجة الثانية من الوباء


يأتي ذلك في وقت بدأ الضغط يشتدّ على المُستشفيات مع وصول عدد المُصابين الذين تستدعي حالاتهم الاستشفاء إلى 137 أمس، 34 منهم في حال حرجة، فيما سُجلت أربع وفيات (وهو أكبر عدد من الوفيات يُسجّل في يوم واحد) خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ليرتفع عدد الوفيات إلى 51، «ما يعني أننا على وشك فقدان السيطرة على الوباء»، على ما غرّد الأبيض، أمس، لافتاً إلى «أننا بحاجة إلى مهلة لالتقاط الأنفاس، ما يسمح لنا بالعمل على تصويب المسار»، و«سيأخذ أي إجراء مدة أسبوعين على الأقل لإظهار النتائج وإعطاء المفعول»، لافتاً إلى أن الإغلاق الجزئي يتطلّب وقتاً أطول من الإغلاق الكامل لإبطاء الوباء (...). فيما لفتت خوري إلى «أننا في مرحلة خطيرة. كوفيد 19 يضرب مجتمعنا بقوة، وبخاصة من هم بعمر الشباب (10-19 عاماً)».
في غضون ذلك، تتجه الحكومة إلى تطبيق قرار لجنة التدابير الوقائية لمكافحة فيروس كورونا القاضي بالعودة إلى المرحلة الرابعة من الإقفال، إذ تقرر إقفال المسابح الداخلية والنوادي الرياضية والمسارح ودور السينما، مع التشديد على تطبيق إجراءات التشدد في المقاهي ومراكز الأعراس. ويأتي ذلك كبديل من الخيار «الأصعب» المتعلق بالإغلاق الكامل لفترة محددة، «والذي يسهل فرضه بالنسبة الى السلطات ولا يعطي أي خيار للجمهور غير الممتثل، وسيسمح ببقاء الوباء تحت السيطرة، لكن العواقب الاقتصادية ستكون وخيمة»، على حدّ تعبير الأبيض. ووفق مصادر اللجنة، فإن خيار إقفال المطار لا يزال مستبعداً حتى الآن، في انتظار مراقبة النتائج خلال الأيام المُقبلة، فيما يبدو أن المعنيين لا يزالون يراهنون على خوف المُقيمين الذي بدأ يترجم بالتزام الكثير منهم بالعزل الذاتي.