القرار الأميركي متّخذ. المطلوب إسقاط حكومة حسان دياب، لكن التنفيذ لا يزال متعثراً. أهل السراي يعدّون ثلاث محاولات لإسقاطها، كان آخرها يوم التعيينات وما رافقها من تحركات في الشارع، أضيف إليها سعي لتعويم اسم محمد بعاصيري مرشحاً لرئاسة الحكومة، استدعت حينها كلاماً واضحاً من دياب عن رفضه الضغوط الآتية من السفراء، وفي مقدمهم السفيران الأميركي والسعودي. هدأت العاصفة حينها، وانزوت السفيرة الأميركية بعد تقريع من إدارتها لطريقة تدخلها تدخّلها في لبنان (التقريع كان مرتبطاً بالأسلوب لا بأصل التدخل). وصل الأمر بالسفيرة حينها إلى حدّ الإعلان بنفسها، من على منبر وزارة الخارجية، عن طيّ صفحة القرار القضائي الصادر عن القاضي محمد مازح بمنعها من التصريح. يومها كانت التوقّعات بأن استدعاء وزير الخارجية ناصيف حتّي لها يهدف إلى التنديد بتدخّلها في السياسة الداخلية، قبل أن يتبيّن أن الهدف كان الاعتذار منها.اليوم تتجدد محاولة إسقاط الحكومة، لكن هذه المرة قد تكون الضربة أقوى. وزير الخارجية ناصيف حتّي سيستقيل من منصبه، بعد أن نضجت محاولات إقناعه بذلك. محاولات تولاها بشكل خاص سفير لبناني سابق، بالنيابة عن الأميركيين. لكن الضغوط الرئيسية أتت من جانب فرنسا، الدولة الغاضبة على دياب، الذي خاطبها بلغة لم تعهدها من رئيس حكومة لبناني سابقاً. كانت النصيحة بضرورة الخروج من المركب، طالما أن الحكومة عمرها قصير ولا أفق لها.
وعليه، عمد حتّي طيلة الأسبوع إلى إبداء رغبته في التخلي عن منصبه، احتجاجاً على أداء الحكومة في الملفات التي تتعلق بعلاقات لبنان الخارجية. وقد أبلغ قراره أمس إلى جبران باسيل، عبر اتصال هاتفي. كذلك أبلغ حتي إدارة الوزارة بقراره، مشيراً إلى أن اعتراضه الأساسي هو على سلوك حسان دياب تجاه ما يسمّى «المجتمع الدولي». وأشار إلى أن بيان الاستقالة لن يوجّه ضد جبران باسيل بل ضد السياسة المتّبعة من دياب. واعتبر أن استمراره في منصبه ينسف «البورتفوليو» الذي راكمه على مدى عشرين سنة. كذلك، أكد مدير مكتب وزير الخارجية هادي هاشم أن حتّي سيقدم استقالته إلى رئيس الحكومة، بسبب عدم تقدم الحكومة في عملها.
اللافت أن حتي - المعترض على أداء الحكومة ورئيسها وعلى دور المدير العام للأمن العام (في كل العهود، يكون شاغل هذا المنصب كبير مستشاري رئيس الجمهورية) - لم يُسجّل له تقديم أي مشروع ذي قيمة إلى مجلس الوزراء، ولا أنه سعى إلى تشغيل «ماكينة» وزارة الخارجية، سواء المديريات في بيروت أم البعثات في الخارج، لتأمين حضور ما للبنان. منذ تعيينه وزيراً، حتى لحظة استقالته، بقي عاجزاً عن تقديم مشروع للتشكيلات الدبلوماسية، فضلاً عن استقالته من أداء أي دور في ملف النازحين السوريين، أو العلاقات مع دول لا تشارك في مقاطعة لبنان. وعلى سبيل المثال، وبدلاً من المشاركة في المنتدى العربي - الصيني، سافر إلى إيطاليا. وفي بيان استقالته، سيكون صعباً على وزير الخارجية أن يذكر اقتراحاً واحداً يُعتدّ به أرسله إلى رئاسة مجلس الوزراء، وجرى تعطيله. جلّ ما سيُذكر من «مسيرته» هو ما ارتكبه بعد قرار القاضي محمد مازح، والبيانات التي يصدرها استنكاراً لكل صاروخ يمني يسقط في الأراضي السعودية، في مقابل تجاهله التام للعدوان الهمجي على اليمن.
لم يقدّم حتّي إلى مجلس الوزراء أي اقتراح ذي قيمة


مصادر مطلعة أكدت لـ«الأخبار» أن حتي أسرّ إلى إحدى زميلاته في مجلس الوزراء أنه غير راض عن أداء الحكومة التي لم تحقق أي إنجاز منذ تأليفها، وعبّر عن انزعاجه من تغريدة رئيس الحكومة حسان دياب بشأن زيارة وزير الخارجية الفرنسي الى لبنان، والتي قال فيها إن لدى الوزير الفرنسي «نقصاً في المعلومات لناحية مسيرة الإصلاحات الحكومية في لبنان». وأكدت المصادر أن حتّي نفى للوزيرة وجود أي خلاف مع الوزير السابق جبران باسيل حول تعيينات دبلوماسية، مشيراً إلى أن موضوع التعيينات لم يُطرح للبحث.
مصادر أخرى أكدت أن السبب وراء استقالة حتّي انزعاج من تنامي الدور المعطى دبلوماسياً للواء عباس إبراهيم في التواصل مع بعض الدول على حساب وزارة الخارجية، وخلاف مع طريقة تعاطي رئيس الحكومة في السياسة الخارجية، «الأمر الذي بات يستنزف رصيدي المهني والدبلوماسي»، بحسب ما قال حتّي أخيراً في مقابلة مع برنامج «صار الوقت». ولمّحت المصادر الى أن وزير الخارجية «ربما تلقّى إشارة غربية تشجعه على الاستقالة والقفز من المركب قبل أن يغرق، مع وعد بجائزة ترضية مستقبلاً»!
وفيما ازدادت التوقعات بأن تكون هذه الاستقالة بداية سلسلة من الاستقالات الوزارية، فقد أكدت مصادر مطلعة أنه ليس مطروحاً أي تعديل وزاري، لا عند دياب ولا عند باسيل، وبالتالي فإن استقالة حتّي ليست جزءاً من تعديل وزاري، وإن قد تكون فاتحة استقالات أخرى. وعلمت «الأخبار» أن كلاً من دياب وباسيل باشرا العمل على امتصاص تأثير هذه الخطوة سريعاً. وتردّد في هذا السياق أن اسم البديل صار جاهزاً، مع البدء بتداول اسم مستشار رئيس الجمهورية السفير السابق شربل وهبي، الذي كان أميناً عاماً للوزارة.
خطوة حتّي كان مهّد لها في اللقاء التلفزيوني مع مرسال غانم، الذي راح بدوره يعدّد «مآثر» ضيفه، فيما الأخير بدا في مواقفه أقرب إلى ١٤ آذار التي تعمل السفارة الأميركية على تجميع مفاصلها مجدداً، إعلامياً وسياسياً. فهل تكرّ سبحة هذه القوى بالسعي مجدداً إلى استعمال الشارع في معركتها مع الحكومة وحزب الله، بعد أن تجمعت خلف البطريرك بشارة الراعي في دعوته إلى حياد لبنان؟