بعد شهرٍ من الآن، يبدأ موسم الإنفلونزا. صحيح أنه ليس حدثاً جديداً، لكنه هذا العام يحمل معه خطورة زائدة لتزامنه مع انتشار فيروس كورونا (كوفيد ـ 19). أزمة هذا العام أن القطاع الصحّي لن يكون قادراً على استيعاب الأعداد الكبيرة التي ستكون بحاجة إلى الاستشفاء، ما يهدّد بكارثة صحية ستُترجم بارتفاع حالات الوفيات. فالإنفلونزا، كما الكورونا، قد يحتاج المصاب بها في بعض الأحيان لغرفة عناية فائقة وجهاز تنفّس، وهو ما يصعب توفره في تلك اللحظات الحاسمة. أما وجه الشبه الآخر، فهو التسبب بالوفاة، إذ تشير التقديرات في لبنان إلى أن هناك سنوياً ما يقارب 290 وفاة بالإنفلونزا بين كبار السن (ممن هم فوق الـ74 عاماً).لـ«خصوصية» المرحلة، أوصت منظّمة الصحة العالمية بتناول اللقاح هذا العام، خصوصاً أنه يشكل عامل حماية. توصية لم تملّ المنظمة من تكرارها، كون الإصابة بالفيروسين معاً - الإنفلونزا والكورونا - قد تشكّل خطراً كبيراً يهدّد حياة الفئات الأكثر هشاشة، وبالتالي يسهم في ارتفاع أعداد الوفيات.
رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثوميّة والمعدية في المركز الطبّي في الجامعة الأميركيّة في بيروت الدكتور غسان دبيبو أكّد أن «اللقاح ضروري لتشابه عوارض الإنفلونزا الموسمية والكوفيد، فهو على الأقل يساهم في تخفيف الضغط على القطاع الاستشفائي». وشدّد على أنّ «من المفترض أن يتناول الجميع هذا اللقاح ، خصوصاً الأطفال ومن يعانون من مشاكل مناعية وأمراض السكري والضغط على أنه يكون ذلك بإشراف الطبيب لتحديد ما إذا كان المريض مستعدّاً لتناوله أم لا».
هو حاجة ملحّة. هذا ما يقوله الأطباء. ولكن كيف يمكن توفير تلك الحاجة في لبنان خصوصاً في ظلّ الأوضاع الراهنة؟ اليوم، يوقن كثير من العاملين في هذا القطاع أن ما سيتوفر للبنان من لقاحات «لن يكون كافياً»، هذا ما يقوله نقيب الصيادلة غسان الأمين نظراً إلى كثافة الطلب العالمي عليه. صحيح أن مستوردي الأدوية - من الشركات الخاصة - طلبوا منذ أيلول من العام الماضي حصة من اللقاحات، إلّا أنه «لو أردنا أعداداً كافية لكان لزاماً على لبنان التقدم بالطلب مبكراً من السنة الماضية لحجز حصتنا في أسواق الشراء العالمية للقاح الإنفلونزا». والسبب؟ لأن «إنتاج اللقاح يختلف عن أي سلعة في العالم، وهو يخضع لطلب مسبق من الدول حتى تعرف الشركات المصنّعة الكمية التي ستنتجها، أضف إلى ذلك أن عملية إنتاجه مكلفة وبقاءه من دون استعمال يشكل خطراً بيئياً وصحياً على الإنسان»، على ما تقول مديرة البرنامج الوطني للتلقيح رندة حمادة، مشيرة إلى أن القطاع الخاص «أمّن لهذا العام ما يقارب 210 آلاف جرعة من اللقاح، وهي كمية لن تسدّ حاجاتنا الحقيقية». وأوضحت: «إذا أردنا طلب اللقاح للفئات الأكثر عرضة لخطر ظهور مضاعفات من أطفال وحوامل ومسنّين ومن يعانون من أمراض قلبية أو رئوية مزمنة ومشاكل مناعية والعاملين الصحيين، فهؤلاء وحدهم يصل عددهم إلى مليونين و600 ألف».
210 آلاف جرعة من اللقاح فيما المطلوب الحصول على مليونين و600 ألف!


لا «يد» للدولة في هذا القطاع، الأمر هنا متروك للقطاع الخاص وعلاقاته. أما لماذا؟ تجيب حمادة بأن «اللقاح ليس في روزنامة وزارة الصحة، واتّكالنا على القطاع الخاص يتأتى من عدم قدرتنا على شراء اللقاحات بسبب عدم توفر الأموال». مع ذلك، تسعى وزارة الصحة هذا العام لتأمين اللقاح «كهبات من الدول والشركات المانحة، لتقديمها للفئات الأكثر عرضة لمضاعفات الإنفلونزا». أما بالنسبة إلى سعر اللقاح فقد حدّدته منظمة اليونسيف بـ 5.5 دولار «لكن في لبنان لا أحد يعرف كيف سيسعّر الدولار !»، تقول حمادة. مع ذلك، يطمئن الأمين إلى أن «لا تلاعب بالأسعار»، مشيراً إلى أن اللقاح يسعّر عادة بـ 5 أو 6 آلاف ليرة «ولا خوف من المضاربات ولا الغلاء ولا التلاعب بالأسعار، عندها يصبح الصيدلاني عرضة للتحقيق». لكن، ثمة خوف لدى الأمين من تقنين الكميات، إذ أن «الوكيل سيمنح لكل صيدلية وحدة أو اثنتين من جُرَع اللقاح».
ماذا يفعل من لا يتوفر له الحظّ في تناول اللقاح؟ «الكمامة ثم الكمامة ثم الكمامة»، هذا ما تقوله حمادة، فهي تحمي من الأمراض التنفسية التي تنتقل بواسطة الرذاذ ولمس الوجه بيد ملوثة. وفي هذا الإطار، تؤكد أن «الأساليب نفسها المعتمدة للوقاية من كورونا كغسل اليدين ولبس الكمامة يجب أن تكون معتمدة للحماية من الإنفلونزا الموسمية». أضف إلى ذلك «ضرورة الإكثار من شرب السوائل واعتماد نظام غذائي صحيّ يرفع من مناعة الجسم وقدرته على التصدّي للفيروسات وتحملها من دون مضاعفات».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا