ستكون جلسة اللجان النيابية المشتركة، غداً الجمعة، برئاسة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، محكاً أساسياً للدولة ومؤسساتها باستعادة ثقة الناس، في وقت يشاع فيه عشية الجلسة كلام على تغيير حصل في الأيام الأخيرة في مواقف قوى سياسية بالانتقال من نية «الذبح» بنسف مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب، إلى نية إيجاد مخرج للأزمة. المخرج قد يكون بإقرار سلسلة ملغومة لا تأخذ في الاعتبار تقرير اللجنة النيابية الفرعية والتعديلات التي تقترحها هيئة التنسيق النقابية، بما يضمن حقوق الناس المتمثّلة بإعطاء 121% حداً أدنى لجميع القطاعات من دون استثناء، ويحفظ خصوصية كل قطاع تطبيقاً للعدالة والمساواة أسوة بالقضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية.
هل مِن كلمة سر بين تيار المستقبل وحركة أمل لإمرار السلسلة؟ السؤال طرح عشية الجلسة بالنظر إلى ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري، لجهة أنّه يتجه لوضع السلسلة على جدول أعمال الهيئة العامة للمجلس إذا انتهت اللجان النيابية المشتركة من درسها الجمعة أو الاثنين المقبل، ما قد يكون تلميحاً بالضغط لإقرارها الاثنين في حد أقصى. كذلك جرى الحديث عن أن نواب تيار المستقبل تلقوا إيعازاً من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، والنائب بهية الحريري بأن «مشّوها وخلّصوا هيدا الملف»، في تجاوز لموقف الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان وسيبقى معارضاً للسلسلة بالمطلق ولن يتراجع عن هذا الموقف الذي لا ينفك يشيعه في كل مناسبة وفي كل لقاء مع نواب التيار وكوادره النقابية ويتحدث معهم عن أهمية توفير مداخيل ثابتة لا مداخيل مؤقتة، من مثل الإيرادات المتأتية من البناء الأخضر المستدام أو طابق الميقاتي مثلاً.
في العلن، لم يجاهر أحد من القوى السياسية حتى الآن بأي موقف رافض لمشروع السلسلة، بل على العكس، شهد اليومان الأخيران «كبسة» بيانات سياسية مؤيدة لما سموه حقاً للمعلمين والموظفين، إلّا أن صوت الكباش على إيرادات التمويل والتذرع بأنّ الإجراءات الضريبية المطروحة وهمية وهمايونية بقي هو الأعلى، ولا يبدو أنّ العقدة ستحل بالسهولة المنتظرة.
بعض قادة هيئة التنسيق النقابية بدوا متفائلين من أجواء بري، مراهنين على ما سموه نيات إيجابية لإقرار السلسلة، فيما بدا البعض الآخر حذراً على قاعدة «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» و«يمكن أن يذبحونا بعدما خذلونا مرات كثيرة».
ومع ذلك فقد كانت رسالة هيئة التنسيق أمس إلى نواب الأمة واضحة: إقرار الحقوق ثم الحقوق ثم الحقوق، أما توفير الإيرادات، فهي من مسؤوليتكم، ويجب فرضها على الريوع المصرفية والعقارية، لا على أصحاب الدخل المحدود. كذلك بدت الهيئة متمسكة بتوصيتها: تنفيذ كل أشكال التصعيد المشروعة من إضرابات واعتصامات وتظاهرات، وصولاً إلى الإضراب العام المفتوح ومقاطعة أعمال الامتحانات الرسمية، إذا لم تقر السلسلة.
وبدا لافتاً أن تطالب بالمشاركة في جلسات اللجان النيابيّة المشتركة وفي صياغة الأرقام والنصوص القانونيّة المرتبطة بمشروع السلسلة، بما أنّ روابط الأساتذة والمعلمين والإداريين هي بمثابة نقابات معنيّة بتمثيل قواعدها التي انتخبتها والدفاع عن حقوقها أمام السلطات العامة وأمام القضاء، وذلك على قدم المساواة وحقّها بالتعامل بالمثل، كما يجري مع النقابات الأخرى.
في اليومين الأخيرين، حصلت اجتماعات مكثفة بين اللجنة النيابية الفرعية ووزارة المال لتقريب الأرقام الخاصة بالإيرادات وينتظر أن تتضح الصورة أكثر صباح اليوم مع تعهد الوزارة تزويد اللجنة تفاصيل حسابية إضافية دقيقة. سيدافع رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان بقوة عن مشروعه، كما قال لـ«الأخبار»، مؤكداً أن جلسة الجمعة ستكون امتحاناً حقيقياً للمسؤولين ليلتزموا داخل المؤسسات ما يعلنونه في الإعلام وأن يستعيدوا ثقة الناس بالدولة؛ إذ لا يجوز أن يتملصوا في كل مرة من تعهداتهم، هكذا فعلوا في مشروع السلسلة الذي أحيل من الحكومة على المجلس النيابي، وهكذا يكررون فعلتهم اليوم من التفلت من المشروع الذي أعدته اللجنة الفرعية ووافقت عليه كل الكتل النيابية.
إيعاز من القوى السياسية
بإمرار السلسلة على نحو
«مشّوها وخلصونا»
هذا الخذلان الذي يشعر به المعلمون والموظفون ترجم حضوراً خجولاً في الاعتصام الذي نفذوه في ساحة رياض الصلح، فيما لم تكن نسبة التزام الإضراب بالقدر المرجوّ من حركة استطاعت فرز جمهور جمعته قضية مطلبية مشتركة بخلاف الجمهور الطائفي، إلّا أنها فشلت حتى الآن في التحوّل إلى تيار نقابي مستقل بديل من السائد. وبدا أنّ القواعد لا تزال تأتمر بمرجعياتها السياسية التي تقف ضد مطالبها، بدليل أن ما أشيع عشية الإضراب عن استئجار باصات لنقل المعتصمين من المناطق لم يترجم في الشارع.
معظم الإدارات العامة لم تُضرب، ما عدا وزارة التربية التي شُلّ العمل فيها، باعتبار أن قوام معظم موظفيها معلمون منتدبون. أما باقي الموظفين، فأوجدوا هامشاً متمايزاً عن هيئة التنسيق لإبراز مطالب خاصة أوصى بها مندوبو وزارة المال، وهي إدخال الدرجات الست للموظفين الإداريين في صلب الراتب ودعوة المعلمين إلى عدم الاستمرار بالتركيز على ربط رواتبهم برواتب الإداريين من خلال الإصرار على زيادة 60%.
وبالنسبة إلى المدارس الخاصة، فقد أقفلت نحو 80% من كبريات المدارس في العاصمة وضواحيها أبوابها، في خطوة لم تكن مألوفة في تحركات سابقة، ولا سيما بالنسبة إلى المؤسسات التابعة للجمعيات الدينية والأحزاب السياسية مثل حزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل، فيما بدا التجاوب ضعيفاً في الأرياف.
وشكلت مدارس الشمال استثناءً؛ إذ خرقت مدارس رسمية وخاصة في طرابلس تقع في أماكن الاشتباك مثل التبانة والقبة الإضراب، نظراً إلى التأخر في البرامج الناجم عن الأحداث الأمنية في المدينة.
أما وزير التربية الياس بو صعب، فقد آثر الانضمام إلى المعتصمين، وهي خطوة تندرج في المسار الذي انتهجه من السلسلة وحقوق المعلمين منذ تسلمه الوزارة. إلّا أنّ بو صعب لم يشأ التصريح لوسائل الإعلام التي سألته عن حضوره، واكتفى بما قاله لمندوبة الوكالة الوطنية للإعلام: «أكثر ما يزعجني أن يجلس المسؤولون وراء المبنى وأصحاب المطالب في الشارع، وعلى المسؤول النزول معهم والاستماع إليهم».
برز في لافتات المعتصمين لافتة كتب عليها: «إلى مشرّعي الاغتصاب لن نسمح لكم أبداً باغتصاب حقنا بالسلسلة» وأخرى تقول: «سلسلة الرتب والرواتب في القلب والعقل: الضمير والعدالة الاجتماعية»، وهي مذيَّلة بتوقيع لجنة العاملين في الإدارة العامة من أُجَراء ومتعاقدين. وفي الهتافات «سلسلة بدنا نمولها من الحيتان المالية وهيئات الحرامية، يا للعار يا للعار دولة بترضخ للتجار».