أعلن طلاب الجامعة الأميركية امس بدء اعتصامهم المفتوح داخل حرم الجامعة. قرروا المبيت أمام مبنى الإدارة، إلى أن تُجمَّد زيادة الأقساط وتُحقَّق باقي المطالب المرفوعة. في هذا الوقت، كشفت مصادر مطّلعة على تفاصيل الميزانية المرفوعة الى مجلس الأمناء لـ«الأخبار» أن هذه الميزانية تتضمن زيادة في قيمة الاقساط بنسبة 9.3%. كذلك كشفت عن وثائق تثبت أن كلية الطب ومدرسة التمريض تدفعان معظم مصاريف المركز الطبي التابع للجامعة، أي إن مستشفى الجامعة الأميركية يُموَّل على حساب جميع طلاب الجامعة.
وعلى الرغم من التزام الطلاب «سلمية» تحرّكهم، الذي لن يهزّه نصب الخيم أمام مبنى الادارة في ساحة «الكوليج هول» المتاخمة للمدخل الرئيسي للجامعة، الا أن ادارة الجامعة ذهبت باتجاه التلويح باستخدام اجهزة امن الدولة لتهديد طلابها، وأدخلت دورية من الدرك مع عتادهم الى داخل الحرم، اضافة الى عناصر من فرع المعلومات، صوّروا الاعتصام وجمعوا المعلومات عن منظميه. هذا التجاوز الامني لم يؤثّر في طلاب الجامعة ولا في تصميمهم على مواصلة تحرّكهم. نصبوا الخيم ووضعوا حولها الطاولات والكراسي ليُتاح لهم القيام بفروضهم الجامعية وهم معتصمون. اقام الطلاب مكتبة جديدة في ساحة «النضال»، وألحقوا بها مقهى لمجالسة الأصدقاء وممارسة هوايات الغناء والموسيقى. باختصار، نقل عدد من الطلاب حياتهم الى داخل اعتصامهم الذي سيمتد حتى نهار الجمعة، فإما تستجيب الادارة لمطالبهم، أو تُعلَن خطوة تصعيدية اكبر في حينه.
هتف الطلاب بداية الاعتصام ضد رئيس الجامعة، طالبين منه النزول الى الساحة لرؤية ما يقوله أهلها. هتفوا أيضاً ضد محمد الصايغ عميد كلية الطب ومستشفى الجامعة الأميركية، ووجهوا له اتهامات بنيت على معلومات وصلت إلى الطلاب عن المصاريف الضخمة للمستشفى والهدر فيه، على حساب الجامعة ومصاريفها.
في الواقع، ادارة الجامعة محقة بتبريرها، فميزانية الجامعة مفصولة تماماً عن ميزانية المركز الطبي. الا أن وثيقة حصلت عليها «الأخبار» تكشف عن وجود تداخل بين الميزانيتين المنفصلتين. فميزانية الجامعة تتضمن أجور العديد من الممرضين والأطباء. بمعنى اوضح، تصرف الجامعة ملايين الدولارات من ميزانيتها على المستشفى؛ فأجر نائب الرئيس للشؤون الطبية محمد صايغ ومساعديه، اضافة الى أجر أكثر من مئتي طبيب ومعظم الممرضين العاملين، تُسجّل على نفقة كلية الطب ومدرسة التمريض، وهي تثقل ميزانية الجامعة وتحمّل كلفتها للطلاب الذين يشكون اصلاً ارتفاع الاقساط.
تقدر قيمة الأجر الصافي لنحو 219 طبيباً مسجلاً على نفقة كلية الطب بـ 7 ملايين دولار. والمفارقة أن عدد الأطباء هؤلاء يتخطى عدد الطلاب المسجلين في الكلية أساساً. وتجدر الإشارة إلى أن طلاب كلية الطب اضطروا في العام الماضي إلى دفع زيادة بنسبة 10% على أقساطهم لتمويل هذه الكلفة.
بالاستناد الى هذه الوثيقة، هناك رمز لكل قسم يدرج تحته أجر الموظف، يبدأ الرمز إما بالرقم 1، اي إن الأجر تسدده الجامعة، أو رقم 2، اي إن الأجر تسدده المستشفى. يتبيّن أن معظم الأطباء والممرضين يتقاضون أجورهم من الجامعة. صايغ مثلاً، يتقاضى أجره من الجامعة، على الرغم من انه يفوق اجر الرئيس نفسه (450 ألف دولار سنوياً). تدعي ادارة الجامعة أن أجره مغطى من قبل المستشفى بالكامل، لكن ما تثبته الوثيقة يوحي بعكس ذلك، إذ إن مخصصاته تندرج تحت رمز 11410، وهو رمز مخصص لكلية الطب في الجامعة، فلو كان ما تدعيه ادارة الجامعة صحيحاً، لكانت مخصصاته قد ادرجت تحت الرمز 28110، وهو المخصص لكبار إداريّي المستشفى.
ليس فقط الأجور ما تغطي نفقاته الجامعة، فهي كانت تعمد سابقاً الى اقتطاع كلفة ما تستهلكه المستشفى من الكهرباء والأمن وغيرهما، لكن صايغ رفض منذ تسلمه منصبه تغطية الكلفة بالكامل، ما دفع الجامعة الى تغطيتها.
أيضاً، يستفيد المستشفى من 15 مليون دولار سنوياً، هي عبارة عن قيمة التأمين الصحي الالزامي للطلاب والموظفين والأساتذة. وهناك معلومات تفيد بأن أحد الإداريين صُرف من العمل عندما حاول أن يعدّ تقريراً يثبت ان كلفة التأمين الصحي في مستشفيات أخرى أو عبر شركات التأمين أرخص مما يتكلفه طلاب الجامعة في المركز الطبي، فهم يدفعون تعرفة كالتي يدفعها مَن هم ليسوا من أهل الجامعة.
تدفع الجامعة 7 ملايين دولار لنحو 219 طبيباً مسجلاً على نفقة كلية الطب


الى ذلك، كشفت مصادر مطلعة ان مجلس الأمناء في الجامعة تسلّم ميزانية تنطوي على زيادة بنسبة 9.3% في قيمة الأقساط. تقسم على النحو الآتي: 6% زيادة على أقساط الطلاب الحاليين، و3.3% تُغطى من خلال زيادة القدرة الاستيعابية للجامعة لتضم 100 طالب اضافي عما كانت تستقبل في السابق. كذلك تلحظ الميزانية زيادة 9% في رسوم السكن الجامعي، وسترفع رسوم التكنولوجيا داخل الجامعة بنسبة 50% خلال ربيع 2014 - 2015، (وهي سبق أن ضاعفت سعرها)، وستُرفع أيضاً تعرفة التأمين الصحي الإلزامي (دون تحديد السعر بدقة). رئيس الجامعة بيتير دورمان متخوف من خطوات الطلاب التصعيدية، وقد دعا على إثر ما شاهده البارحة، إلى اجتماع يُعقَد السبت المقبل، يشارك فيه أعضاء الحكومة الطلابية، أعضاء اللجنة المؤقتة التي شكلت لاقتراح ميزانية رديفة، عضوان من مجلس الأمناء، هما عبد السلام هيكل وفاروق جبر. ورأى دورمان أن هذا اللقاء هو الأخير والحاسم لمسألة الزيادة.
وخلال اجتماعه ليل أول أمس مع أعضاء لجنة زيادة الأقساط، أعلمهم أن الادارة بحاجة لأربعة أسابيع لتدرس ميزانية جديدة للجامعة ترفع الى مجلس الامناء خلال اجتماعه المقبل في أيار. لكن لا ضمانات أعطيت للطلاب على أن الميزانية الجديدة لن تتضمن زيادة على الاقساط. رفض دورمان مطلب الطلاب الرامي الى توقيع عقود تحدد فيها أقساط ثابتة طوال السنوات الدراسية لكل طالب، واقترح عوضاً عن ذلك أن تضع الادارة فقط أسعار الأرصدة على الموقع الالكتروني للجامعة. الطلاب الذين ملّوا من اللقاءات مع دورمان، بحسب ما عبّر أحدهم، أكثر ما أزعجهم هو عدم حصولهم على أي اجوبة في ما يتعلق بمسألة الشفافية داخل الجامعة والمشاركة في القرارات المتعلقة بالطلاب. واللافت خلال الاجتماع، الحجج التي قدمها لمحاولة منع الطلاب من اقامة اعتصامهم، مثل سلامة الطلاب، أو النظافة داخل الخيم، أو الاختلاط بين الجنسين الذي قد يؤدي الى علاقات «جنسية» داخل الجامعة.

يمكنم متابعة حسين مهدي عبر تويتر | @Husseinmehdy