مسألة استرداد قطاع الخلوي لم تنته بعد. حتى يوم أمس كانت شركة "زين" لا تزال تقاوم. راهنت على ضياع الاسترداد مع تأليف الحكومة الجديدة، لكن اعتذار مصطفى أديب أفشل خططها. في هذا الوقت، لم يتأثر وزير الاتصالات بما يدور حوله في السياسة. بهدوء، ينفّذ أجندة قانونية يثق بأنها ستفضي إلى تسليم "زين" بالأمر الواقع، والخروج من القطاع. وبعد أن تراجعت الشركة أكثر من مرّة عن اتفاقات عقدتها مع الوزارة بشأن جدول أعمال الجمعية العمومية، لجأت الوزارة إلى طريقة أخرى تلزمها من خلالها بالدعوة إلى الجمعية العمومية تمهيداً لتسليم القطاع وتعيين مجلس إدارة جديد يمثّل "ميك". النظام التأسيسي للشركة ينص، في المادة 30 منه على أن مجلس الإدارة "هو الذي يدعو المساهمين لعقد الجمعيات العمومية". لكن على ما يظهر منذ أشهر، فإن مجلس الإدارة لم يدع إلى الجمعية إلا بهدف التمديد له لأيام تسمح له بدفع الرواتب وبعض الالتزامات. وهو رفض الدعوة إلى جمعية عمومية تكون مهمتها إقرار إجراءات تسليم القطاع. في المادة 30 تلك إشارة إلى أنه يحق لـ20 في المئة من المساهمين أن يطلبوا من مجلس الإدارة دعوة الجمعية العمومية على أن يوجّه طلبهم لكل من أعضاء المجلس ومفوضي المراقبة، متضمناً جدول الأعمال والمسائل المطلوب طرحها على الجمعية. بعد ذلك، يفترض بمجلس الإدارة دعوة المساهمين للتداول في جدول الأعمال قبل موعد انعقاد الجمعية بعشرين يوماً على الأقل.
من اعتصام أمام مبنى «تاتش» في تشرين الثاني 2019 (مروان طحطح)

بيت القصيد في تلك المادة إشارتها إلى أنه "في حال تقاعس مجلس الإدارة عن دعوة الجمعية العمومية للمساهمين، فعلى مفوضي المراقبة أن يقوموا بذلك".
تلك نقطة بالغة الأهمية في المسار الجديد. لم تعد "زين" قادرة على التحكم في الدعوة إلى الجمعية. إذا تقاعست يمكن لشركة التدقيق تولّي الدعوة. وهذا ما يبدو أنه فرض على الشركة تغيير سلوكها لتجنّب "بهدلة" أن تأتي دعوة الجمعية العمومية من شركة التدقيق، ما سيؤثر على سمعتها، لأن دعوة كهذه لن تكون سوى بمثابة طرد لـ«زين». تلك الخطوة القانونية لم تكن وحيدة. فقد علمت "الأخبار" أن حواط أرسل رسالة وصفت بأنها شديدة اللهجة لـ«زين» في الكويت وبيروت يطلب فيها إنهاء الموضوع بالقانون، علماً بأن المعلومات تشير أيضاً إلى أن أصداء الرسالة في الكويت كانت إيجابية، وأن رئيس مجلس إدارة الشركة قرر التعامل بشكل إيجابي مع مطالب الوزارة.

اجتماع طارئ لـ «زين»
تلك المعلومات سرعان ما تحولت إلى واقع أمس مع انعقاد مجلس الإدارة على عجل وإقراره الدعوة إلى جمعية عمومية. ما فعله المجلس هو تعديل المواعيد التي كان اقترحها بنك عودة، حامل النسبة الأكبر من الأسهم، نيابة عن الدولة. بدلاً من عقد الجمعية العمومية الأولى في الخامس من تشرين الأول والثانية في 26 منه، قرر مجلس الإدارة نقل الجمعية الأولى إلى 23 تشرين الأول والجمعية الثانية إلى الثلاثين منه. الحجة هي احترام المهل القانونية (الدعوة قبل 20 يوماً) كي لا يعطى أي من المساهمين (وسيم منصور تحديداً) حقّ الطعن في مقررات الجمعية. تلك الحجة لم تُستعمل في الدعوات السابقة، التي خُصصت للتمديد لمجلس الإدارة أو الدفع للمورّدين. حينها اكتفى مجلس الإدارة بإبلاغ المساهمين بموعد الجمعية قبل أيام قليلة من انعقادها. صحيح أن الأجواء تشي بأن القرار جدي هذه المرة، إلا أن التجارب مع الشركة تسمح بالقلق من أن يكون إبعاد الموعد هو خطوة جديدة في إطار المماطلة، التي برعت فيها الشركة، حتى وصل بها الأمر إلى المزايدة على وزارة الاتصالات والطلب منها أن لا يكون التسليم والتسلّم بالمستندات والبرامج الالكترونية فحسب، بل أن يتم ذلك على الأرض، بحيث يتم التوقيع على تسلّم كل مرفق على حدة، وهي عملية كانت ستحتاج إلى أشهر طويلة.

موعد التسليم
في النتيجة، إن جدول أعمال أول جمعية ينص على التالي:
نقل جميع الأجراء من "أم تي سي" إلى شركة "ميك 2" مع استمرارية عملهم وفقاً لشروطه القانونية.
تسديد المبالغ المستحقة بذمة "ميك 2" لصالح شركة "أم تي سي" و«زين».
أما الجمعية الثانية، فينص جدول أعمالها على:
الاستماع إلى تقارير مجلس الإدارة ومفوضي المراقبة حول أعمال الشركة وحساباتها المالية للسنوات 2017 حتى 2019، إضافة إلى وضعها المالي حتى 30 أيلول 2020، مع تلاوة الجدول المتضمن الموافقات الخطية من وزراء الاتصالات بشأن بنود في تلك الحسابات.
مراجعة أعمال الشركة وحساباتها المالية للسنوات المذكورة.
إبراء ذمة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة والشركة التي تولت تشغيل الشبكة عملاً بالعقد المبرم بتاريخ 31/1/2012 عن أعمالهم خلال السنوات من 2017 حتى 30 تشرين الأول 2020، وذلك تبعاً للملاحظات في تقارير مفوضي المراقبة وأيضاً الجدول المتضمن موافقات الوزراء على بنود في تلك الحسابات.
الاطلاع على اكتمال إجراءات نقل جميع الموظفين من "أم تي سي" إلى "ميك 2"، عملاً بالعقد الموقّع مع الشركة وعملاً بقرار مجلس الوزراء الصادر في 5 أيار 2020.
انتخاب مجلس إدارة جديد مع تحديد ولايته لمدة سنة اعتباراً من 30 تشرين الأول 2020.

«أوراسكوم» لم تقبض
جدول الأعمال نفسه سبق أن عُرض مراراً على شركة "زين". وبالرغم من موافقتها عليه في أكثر اجتماع في الوزارة، إلا أنها غالباً ما كانت تتراجع لأسباب تتعلق باعتراضات شكلية. الهدف كان دائماً شراء الوقت، أما المطالب الأبرز بحسب مصادر وزارة الاتصالات فكانت تتعلق بمطالبة الشركة ببراءة ذمة شاملة، كما بدفع مستحقاتها مباشرة، وهو ما لم يحصل مع شركة "أوراسكوم" التي سلّمت القطاع. ففي النقطة الأولى، صحيح أن الشركة المصرية حصلت على براءة ذمة بحسب العقد (بعد موافقة المدقق على حساباتها)، إلا أن ذلك لا يعفيها من تحمّل مسؤولية أي تدقيق لاحق، خاصة إذا تبيّن وجود مخالفات يعاقب عليها القانون اللبناني. أما في النقطة الثانية، فلم تقبض الشركة من الوزارة أي مبلغ بعد، بخلاف ما تردد. حتى كفالاتها المقدرة بـ٤٠ مليون دولار لا يمكنها المطالبة بها قبل ثلاثة أشهر، هي الفترة المخصصة لبقاء الشركة إلى جانب المشغّل الجديد متى احتاج إليها. وبعدما كانت تطالب بـ13 مليون دولار هي حوافز عن العام 2018 (سبق أن وافق عليها الوزير جمال الجراح)، يضاف إليها 4.8 ملايين دولار بدل تشغيل وإدارة الشبكة عن العام 2020 (حتى موعد تسليم الشبكة)، انخفض المبلغ بنتيجة التفاوض مع الوزارة إلى 6 مليون دولار، والتخلي عن مستحقات الشركة عن العام 2020). إلا أن هذا المبلغ سيُضاف إليه نتيجة المخالصة المالية المتعلقة بكامل العقد، أي من العام 2009 حتى 2020، والتي تتعلق تحديداً بالاشتراكات التي كانت تدفعها للضمان الاجتماعي، وتقدر بما بين مليونين وثلاثة ملايين دولار.
«النظام التأسيسي» يُفقد «زين» القدرة على التحكم في موعد الجمعية العمومية


يجزم حواط بأنه لم يتم دفع أي ليرة للشركة، علماً بأنه تم الاتفاق معها على تقسيط المبلغ المستحق، على ما أكد لـ«الأخبار». المشكلة تكمن في إطار الدفع. هل تدفع إلى حساب الشركة في الخارج أم في الداخل؟ الشركة كما كل المتعهدين أو العاملين مع الدولة طالبت بالحصول على أموالها في الخارج. حجتها أنها شركة أجنبية وقد أنهت التعاقد مع الدولة اللبنانية، ولم يعد لديها أي عمل في لبنان، وبالتالي من الطبيعي عندما تترك القطاع، أن تأخذ أموالها معها. الوزارة، تفهّمت هذا الطلب انطلاقاً من أن "الشركة لم يعد لديها حسابات في لبنان" كما قال حواط لـ«المركزية». كما أن مصادر الشركة بررت مطلبها باعتبار أنها لو حصلت على أموالها في موعدها لكانت حوّلتها إلى الخارج، كما كانت تفعل دائماً. وبالتالي، فإن حصولها على الأموال في الخارج أو السماح لها بالتحويل من لبنان (عبر مصرف لبنان) هو حق لها. وبناءً عليه، اتفق معها وزير الاتصالات على تقسيط أموالها من الفائض في الحساب الخارجي (عائدات خدمة التجوال الدولي) "بعد توزيع المستحقات التي في ذمة الوزارة للشركات الأجنبية". كما أكد أنه لن يتم تحويل أي مبلغ من لبنان إلى حساب الشركة في الخارج.

لا أموال طازجة
بالرغم من هذا الاتفاق إلا أن مصادر مطلعة تؤكد أنه لا "ألفا" ولا "زين" ستحصل على الأموال في الخارج. كما تشير إلى أنه حتى لو تم الاتفاق على ذلك، فإن المسؤول عن التنفيذ هو "ميك 1" و«ميك 2»، وهما لن تتمكنا من تأمين الدولارات الطازجة، كما لن تتمكنا من الاعتماد على العائدات الهزيلة لخدمة التجوال الدولي لتسديد المستحقات الخارجية. وبالتالي، فإن الشركتين تدركان أنه سيتم الدفع لهما عبر الطرق التي كانت متّبعة في العادة، أي عبر تحويل مصرفي إلى حساب الشركة في لبنان، أسوة بكل المتعهدين الذين سبق أن تعاملت معهم الشركتان، والذين تحملوا أيضاً خسائر كبيرة من جراء تأخير دفع أموالهم.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا