الخرطوم | يواصل عسكر "المجلس السيادي" سعيهم الحثيث لإكمال ملفّ تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بدعوى إسهامه في فكّ الضائقة الاقتصادية عن السودان جرّاء المساعدات التي يمكن تلقّيها من الولايات المتحدة الأميركية لقاء ذلك. وعلى رغم تغوّلهم على مهامّ الجهاز التنفيذي، بتجاوزهم مهامهم المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، بلغ الأمر بالعسكر حدّ الدعوة إلى الاحتكام في هذا الملف إلى الشارع، الذي تسوده معارضة كبيرة للتطبيع. وفي هذا الإطار، طالب نائب رئيس "مجلس السيادة"، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بإجراء استفتاء على المسألة، مجاهراً برغبته في إقامة علاقات مع إسرائيل، متذرّعاً بـ"(أننا) نحتاج إلى إسرائيل، ولسنا خائفين من أحد، نريد علاقات وليس تطبيعاً، ونمضي في هذا الخطّ". وفي إطار استدلاله على تلك الدعوة، أشار "حميدتي" إلى أنّ "دولاً كثيرة لديها علاقات جيدة مع إسرائيل وتستفيد من إمكانياتها التقنية والزراعية"، مضيفاً إن "الشعب السوداني تَعِب. تمّ حصارنا عدداً من السنين على رغم إيفائنا بكلّ الشروط للخروج من قائمة الدول الراعية للإرهاب"، متابعاً: "شئنا أم أبينا، قضية رفع اسم السودان من القائمة مرتبطة بالتطبيع، هذا ما اتضح لنا، ومع ذلك نرجو ألّا يرتبط رفع العقوبات بإقامة علاقات مع إسرائيل". وعلى رغم إقراره بأهمية القضية الفلسطينية، إلا أن "حميدتي" تعلّل بـ"(أننا) لسنا أقرب إلى فلسطين من الدول العربية التي لديها علاقات مع إسرائيل كمصر والأردن".
«حميدتي»: نحتاج إلى إسرائيل، ولسنا خائفين من أحد، نريد علاقات وليس تطبيعاً

وفي الاتجاه نفسه، كان رئيس "المجلس السيادي"، عبد الفتاح البرهان، قد اعتبر، لدى مخاطبته الأسبوع الماضي "المؤتمر الاقتصادي القومي" الذي أقيم في العاصمة الخرطوم، أن "لدينا فرصة سانحة نعمل على اغتنامها، وهي شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بما يحقق الاندماج في المجتمع العالمي"، في إشارة إلى "الفوائد" المتوقعة من التطبيع. ويرى مراقبون أن البرهان أراد توجيه رسالة إلى رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، والجهاز التنفيذي، الذي ظلّ متمسّكاً بإبداء نوع من التمايز عن العسكر - على رغم انخراطه في مفاوضات أبو ظبي الأخيرة - باعتباره أن قضية التطبيع تجب مناقشتها في إطار قومي، وعبر حكومة منتخبة وجهاز تشريعي لم يتمّ تشكيله بعد. ومن هذا المنطلق، رأى حمدوك، في المؤتمر نفسه، أن "مسألة التطبيع مع إسرائيل تتطلّب نقاشاً مجتمعياً عميقاً"، لافتاً إلى أنه طلب من وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الفصل بين مسار شطب اسم السودان من "لائحة الإرهاب"، ومسار التطبيع؛ كون الأخير "يتضمّن تعقيدات كثيرة". ولا يستبعد مراقبون أن تكون خلف استماتة العسكر في إنجاز التطبيع ضغوط أميركية مورست على البرهان تحديداً. ووفقاً لمصدر عسكري، تحدّث إلى "الأخبار"، فـ"من غير المستبعد أن تكون واشنطن قد لوّحت للبرهان بملف جرائم دارفور أو ملف فضّ المعتصمين أمام باحة القيادة العامة وقتل المئات منهم".
وعلى رغم "الأريحية" التي يتحدّث بها العسكر عن التطبيع، إلا أن قوى سياسية كثيرة تعلن، بوضوح، رفضها هذا المسار. إذ أصدر المكتب السياسي لـ"حزب الأمة القومي"، برئاسة الصادق المهدي، بياناً اعتبر فيه أن "قضية التطبيع المطروحة الآن، من دون مسوّغات موضوعية وبطريقة ابتزازية غير مقبولة، تُلخّص الموقف بأنها مساومة بمقابل مادّي - على وضاعته - لن يتحقّق"، مضيفاً إن موقف الحزب من هذه القضية "مبدئي ولا ينطلق من الموقف العربي". واستغرب ربط التطبيع بالإصلاح الاقتصادي، مُذكّراً بأن "التجارب المماثلة لدول التطبيع تُبيّن عكس ذلك، فهي لم تجن إلا القليل من الوعود والكثير من المشاكل". ودعا الحزب إلى "عدم انتظار الحلول الخارجية التي تفرض على الحكومة تقديم تنازلات"، والتركيز بدلاً من ذلك على "موارد البلاد من ذهب وموارد طبيعية إنتاجية كالحبوب والصمغ العربي، والتي يُتوقع أن تُحقّق ما لا يقلّ عن 12 مليار دولار خلال عام واحد". من جهته، أشار القيادي في "الحزب الناصري"، عضو ائتلاف "قوى الحرية والتغيير"، ساطع الحاج، إلى أن "إسرائيل تريد بناء قواعد عسكرية على موانئ البحر الأحمر، والاستفادة من مياه النيل"، مؤكداً أن "الشعب السوداني لا يرضى بأن يتمّ الانتقاص من كرامته بإعطاء الولايات المتحدة وإسرائيل قواعد على البحر الأحمر، أو السماح لهما بالتدخل في شؤون البلاد".

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا