قانونياً، تنصّ المادة 12 من قانون المصارف لعام 2010، المعمول به في الضفة، على أنه «لا يجوز لأيّ مصرف أن ينهي أو يعلّق أعماله، أو يتوقف عن أداء بعضها، دون الحصول على الموافقة الخطية المسبقة من سلطة النقد، والأخيرة لديها الحق في وضع الإجراءات والشروط لإنهاء عمل أيّ مصرف بما يحقق الحفاظ على حقوق المودعين واستقرار الجهاز المصرفي في فلسطين». لكن البنوك لا تُعير اهتماماً لتوجيهات «النقد» عندما يتعلّق الأمر بالضغوط الأميركية والإسرائيلية، على قاعدة «رأس المال جبان». ففي الشهر الخامس، أي قبيل السريان المفترض للقرار العسكري، سارعت مصارف إلى إغلاق عشرات الحسابات، الأمر الذي أدى إلى موجة غضب شعبية وصلت ذروتها بإطلاق مسلحين النار على فروع للمصارف، إلى جانب الاعتصام أمام أبوابها، وكذلك إلصاق منشورات وخطّ شعارات تدين المصارف وتطالبها بأن تكون «وطنية». تحت الضغط، وجدت السلطة نفسها مُجبرةً على تشكيل لجنة حكومية لمحاولة امتصاص الغضب بحلول مقترحة بعيداً من المصارف.
فيما تلجأ السلطة إلى حلول ترقيعية، تتزايد احتمالات اشتعال الشارع
مع هذا، ثمّة شعور عام بأن السلطة لن تستطيع منع العدو من تنفيذ قراره، كما أنها لن تنجح في إجبار البنوك على مواجهته، لأنها تستجيب دائماً لتهديدات العدو كالعادة، وخاصة مع ارتباط السلطة والمصارف الفلسطينية بالنظام المصرفي الإسرائيلي قبل أن تكون مرتبطة بالأنظمة الأميركية والعالمية ومعاهدات «مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال». مقابل ذلك، اكتفت رام الله باللجوء إلى «حلول مؤقتة وترقيعية» بدلاً من مواجهة التحدّي الرئيس، أي وقف الصرف عبر البنوك، الأمر الذي يجعلها تتشارك في المسؤولية عن «مجزرة رواتب الأسرى» كما تصف المصادر، قائلة إن «الآلية المعمول بها حالياً هي شيكات يقبضها المستفيد من وزارة المالية مباشرة دون الحاجة إلى التوجّه صوب المصارف، وهذه الآلية ستظلّ متّبعة، لكنها تُقيّد السلطة أكثر، إذ سيستمرّ الابتزاز الإسرائيلي في الضرائب المُسمّاة المقاصة، والتي يخصم منها العدو رواتب الأسرى والمحرَّرين».
أمّا فكرة إنشاء بنك حكومي فلسطيني غير مرتبط بالنظام المالي الإسرائيلي أو نظام المصارف العالمية، فهو الحلّ الذي تَغنّت به الحكومة الفلسطينية، لكنه بقي يراوح مكانه، على رغم أن المدّة اللازمة لإنجازه لا تتعدّى ستة أشهر. وحتى في حال تنفيذه، فهو قد يكون حلاً غير ناجح، إذ يمكن للعدو الهجوم على مقرّ البنك أو فروعه وملاحقة موظفيه وإغلاقه وحظره. مع هذا، تواصل السلطة التعامل بحذر مع ملف الأسرى والمحرَّرين مجتمعياً لإدراكها حساسيته. وهي حاولت المناورة أمام الضغوط الأميركية، فأنهت وزارة شؤون الأسرى والمحرَّرين وحوّلتها إلى هيئة تابعة لـ«منظمة التحرير»، فضلاً عن أنها كانت تنوي تحويل الهيئة لاحقاً إلى جمعية تتبع وزارة الداخلية أو الشؤون الاجتماعية بسبب استمرار الضغوط الأميركية، لكن السيناريو الأخير لم يَحدث خشيةً من رد فعل الشارع. وفق مصادر، ربّما يقود تنفيذ البنوك القرار العسكري الإسرائيلي بصورة كاملة إلى تدهور ميداني، كما أنه سيشعل الشارع ضدّ مقرّات البنوك وفروعها على نحو أعنف من موجة الاحتجاجات الماضية. فهل يريد العدو ذلك فعلاً؟ وهل لديه تقدير بأن هذه الموجة لن تطاوله؟
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا