شيّعت دمشق، يوم أمس، وزير الخارجية ونائب رئيس الحكومة، وليد المعلّم، الذي يُعدّ أبرز أعمدة الدبلوماسية السورية، وأحد أهمّ وجوه القيادة في البلاد منذ عام 2006، وهو الوجه الذي أطلّت به سوريا على العالم في المحافل الدولية. وكان المعلّم قد توفّي فجر الاثنين، عن عمر ناهز 79 عاماً، بعدما عانى من مشاكل صحّية، علماً بأنه خضع في عام 2014 لعملية تغيير شرايين في القلب في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت.
وأعلنت رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الخارجية، في بيان مشترك نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، "ببالغ الحزن والأسى"، وفاة المعلّم الذي "عُرف بمواقفه الوطنية المشرّفة في مختلف ساحات العمل السياسي والدبلوماسي". والمعلّم دبلوماسي مخضرم، عُيّن وزيراً للخارجية في عام 2006 خَلَفاً لفاروق الشرع، ويشغل منذ عام 2012 منصب نائب رئيس مجلس الوزراء. ومثّل خلال سنوات الحرب واجهة القيادة السورية أمام العالم وفي المحافل الدولية، كما عُرف بمواقفه الساخرة من الغرب الذي فرض عقوبات على سوريا وعليه شخصياً، وخصوصاً في 31 آب/ أغسطس 2011، حين طالته العقوبات الأميركية، ووصفه مسؤول أميركي حينها بأنه "صلة الوصل بين دمشق وطهران". كما طالته عقوبات أوروبية في العام اللاحق "احتجاجاً على قمع دمشق بالقوة للتظاهرات".
وكان المعلّم قد التحق، وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء، بوزارة الخارجية السورية عام 1964، بعد سنة على تخرّجه في جامعة القاهرة بشهادة بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية. وتنقّل في مهامّ دبلوماسية عدّة خارج البلاد، قبل تعيينه سفيراً لدى واشنطن بين عامَي 1990 و1999. وللمعلّم أربعة مؤلفات هي: "فلسطين والسلام المسلّح 1970"، و"سوريا في مرحلة الانتداب من عام 1917 حتى عام 1948"، بالإضافة إلى "سوريا من الاستقلال إلى الوحدة من عام 1948 حتى عام 1958" و"العالم والشرق الأوسط في المنظور الأميركي". واحتفظ المعلّم بمنصبه، على رغم تغيّر الحكومات والوزراء. وهو لطالما كرّر أن الرئيس الأسد "باقٍ في منصبه طالما الشعب يريده". وكان من بين أوّل مَن أطلق على المجموعات المسلّحة في سوريا وصف "الإرهابيين". كما أنه من أشدّ منتقدي القوى الكردية التي تعاملت مع واشنطن. وفي عام 2014، ترأس الوفد السوري إلى أول جولة محادثات مع المعارضة برعاية الأمم المتحدة في سويسرا. واشتُهر المعلّم بنبرته الهادئة، وبرودة أعصابه حتى في أصعب مراحل الحرب. وعُرف بسرعة البديهة في الردّ على أيّ أسئلة تُطرح عليه، وبدبلوماسيته وانفتاحه حتى ضمن وزارته، حيث كان يهتمّ بالاستماع إلى أعضاء فريقه، وبالوقوف على أدق تفاصيل عملهم، وعمل السفراء السوريين، وقدرتهم على تسلّم المهام.
اشتُهر بنبرته الهادئة وبرودة أعصابه حتى في أصعب مراحل الحرب


وانطلق موكب تشييع المعلّم أمس من مشفى الشامي، ثمّ أقيمت الصلاة على جثمانه في مسجد سعد بن معاذ، قبل أن يوارى في الثرى في منطقة المزّة في دمشق. وحضر التشييع شخصيات دبلوماسية سورية وأجنبية، وممثلون عن القنصليات والسفارات، أبرزها الروسية والإيرانية والفنزويلية والصينية والهندية. كما حضر عدد كبير من المسؤولين السوريين، وكامل طاقم الخارجية السورية، وقدّموا التعازي لنجل المعلّم طارق، وإخوته. وكان آخر ظهور للراحل يوم الأربعاء الفائت، في "المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين السوريين"، حيث بدا عليه المرض وكان يستعين بأشخاص للوقوف والتنقّل. وخلال التشييع، أشار وزير الإعلام، عماد سارة، في تصريح إلى الصحافيين، إلى أن" الوزير المعلّم، رغم مرضه وألمه، أصرّ على حضور المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين السوريين، وهي الرسالة الأخيرة له لدعوة أبناء الوطن المهجّرين بفعل الإرهاب للعودة إلى بلدهم". كذلك، رأى رئيس الحكومة، حسين عرنوس، أن بلاده فقدت "دبلوماسياً مخضرماً دافع باقتدار عن وطنه سوريا في المحافل الدولية والإقليمية ومختلف ساحات العمل السياسي".
خارجياً، نعت موسكو المعلّم "صديقاً مخلصاً وشريكاً موثوقاً". وقال نائب وزير الخارجية الروسية، ميخايل بوغدانوف، إن المعلّم كان "دبلوماسياً محنّكاً يعرفه منذ 35 عاماً"، مشيراً إلى أنه "كان يعلم مدى أهمية العلاقات الروسية السورية". وأضاف بوغدانوف: "كان شديد الذكاء، ويتّسم بحسّ الفكاهة، ولديه معرفة عميقة في السياسة الدولية والوقائع في الشرق الأوسط". وقدّم وزير الخارجية الإيراني، محمّد جواد ظريف، بدوره، تعازيه بوفاة المعلّم، الذي "قام بدور مهم في الدفاع عن مصالح بلاده الوطنية وأمنها". من جهتها، أعربت وزارة الخارجية في سلطنة عمان، البلد الخليجي الوحيد الذي أبقى على علاقات دبلوماسية مع سوريا وزاره المعلّم خلال سنوات النزاع، عن "تعازيها ومواساتها بوفاته". كما قَدّم الرئيس اللبناني، ميشال عون، تعازيه في برقية إلى نظيره السوري، بشار الأسد.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا