انتهت القدرة الاستيعابية «الممدّد لها» لمطمر الجديدة. الشركة المتعهدة أعمال الطمر أعلنت، قبل الأعياد، أن ارتفاع المطمر تجاوز الـ19 متراً بعد قرار مجلس الوزراء زيادة الارتفاع متراً ونصف متر، ثم إلحاقه بقرار آخر لزيادة الارتفاع إلى حين إيجاد حلول أخرى، علماً بأن مطمر برج حمود أقفل على ارتفاع 13 متراً ونصف متر، وكان يفترض أن يقفل مطمر الجديدة لدى بلوغه الارتفاع نفسه، بحسب مصادر مجلس الإنماء والإعمار التي عزت «سرعة» امتلاء المطمرين الى انفجار المرفأ الذي دمّر معامل الفرز والتخمير في الكرنتينا، ما جعل النفايات تذهب الى الطمر من دون أي فرز.عودة النفايات الى التراكم في الشوارع هذه المرة ليست كسابقاتها، إذ تترافق مع توقف أعمال الكنس ومع زيادة «نفايات كورونا». وهذه، بحسب تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تشمل نفايات الرعاية الصحية التي تنتج من المراكز الصحية والمنازل، والتي تسهم في زيادة العدوى وانتقال الفيروسات. وهي تضم الأقنعة والقفازات والأنسجة والملابس الخاصة للوقاية والأدوية المستعملة والمنتهية الصلاحية، وكلها تحتاج إلى إجراءات فرز ومعالجة خاصة. ومشكلة هذه النفايات أنها تختلط مع النفايات المنزلية العادية، ما يزيد كميات النفايات المعدية. ويعتبر التقرير أن التحدي الأكبر يواجه الدول النامية التي تفتقر الى التقنيات والامكانيات المادية لمعالجة النفايات المنزلية العادية، فضلاً عن تلك الطبية. وتشير التقديرات الى أن نفايات مراكز الرعاية الصحية المرتبطة بـ«كورونا» زادت نحو 3,4 كلغ للفرد يومياً، فيما ينتج 2,5 كلغ يومياً عن كل سرير في هذه المراكز.
هذه الكارثة البيئية تزيد من خطورة عودة النفايات الى الشوارع، ما ينبغي معه الإقلاع عن «الحلول المعتادة» لهذه الأزمة. ومعلوم أن المشكلة الأساس تكمن في فشل الحكومات المتعاقبة في وضع خطط تدمج بين الحلول الاستراتيجية وتلك الطارئة، فيما زادت الأزمة المالية من الإرباك؛ فالمتعهد يراسل مجلس الإنماء والإعمار لإبلاغه بأن العقود انتهت مطالباً بمستحقاته بالدولار، والمجلس يراسل الأمانة العامة لمجلس الوزراء سائلاً عن الحلول التي عرضها على الحكومة وكيفية تأمين المال… من دون جواب حتى الآن! علماً بأن الشركة المتعهدة تعمل منذ 9 أشهر وفق ما يسمّى «موافقات استثنائية» بعد انتهاء العقد.
النفايات الصحية كالكمامات والقفازات وغيرها قد تسهم في زيادة العدوى وانتقال الفيروسات


وبين الحلول الطارئة التي أُقرّت، بعد استقالة الحكومة، استخدام مساحة 40 ألف متر في المنطقة المردومة في الجديدة لإنشاء مطمر جديد بكلفة تقارب عشرة ملايين دولار، لتأجيل المشكلة سنة ونصف سنة. إلا أن عقد التوسيع لم يبرم بعد، لأن المتعهد يشترط أن يكون بالدولار الأميركي وليس بالليرة وفق سعر الصرف الرسمي، بحجة أنه سيدفع ثمن تجهيزات المطمر الجديد بالدولار. وبعد مفاوضات، عرضت الشركة خفض الكلفة شرط أن تتقاضى مستحقاتها بالدولار أو وفق سعر المنصة (3900)، إلا أن الأمر لم يحسم بعد.
وتعود الحلول «الطارئة»، والمكلفة، الى العام 1997، تاريخ إقفال مكب برج حمود وفتح مطمر الناعمة، علماً بأن هناك اتهامات للحكومات المتعاقبة بتعمّد عدم البحث في حلول مستدامة، لأن خطط الطوارئ في العادة أكثر ربحاً ولا تخضع لقواعد المراقبة والمحاسبة أو لأي معايير ومواصفات وقوانين. ويبدو كأن الزمن يعيد نفسه لتعود المشكلة اليوم الى برج حمود والجديدة، ويعود الجبل الذي تمّ تمديده وفلشه في البحر، في مشهد سوريالي لا يحدث إلا في أفلام المافيا!
في الحصيلة، وفي حال تم تأمين الأموال وزيادة ارتفاع المطمر لأكثر من خمسة أمتار عمّا كان مقرراً بحسب التخطيط، يبقى هذا إجراءً مؤقتاً إلى حين إنجاز المطمر الجديد، وسيعاد، بأكلاف إضافية، رفع الكميات المضافة من المطمر الحالي الى المطمر الجديد. وهي الإجراءات - الصفقات التي كانت تحصل دائماً لهدر المال العام وهدر البيئة، مع التسبّب في تسرّب العصارة، إما الى البحر أو الأنهر أو الى التربة والمياه الجوفية في المكبات العشوائية في المناطق! مع العلم بأن تجهيز المطمر الجديد يحتاج الى ما لا يقل عن شهرين، ما يعني الاستمرار في الارتفاع بمطمر الجديدة الحالي ليتجاوز الـ 22 متراً، مع ما لهذا الإجراء من مخاطر، أبرزها حصول انهيارات باتجاه البحر، خصوصاً مع عودة الأمطار، بعد فترة الانحباس، ما قد يحوّل الشوارع الى مستنقعات من النفايات العائمة. والخشية من أن يؤدي اختلاط النفايات العادية بـ«نفايات كورونا» الى نقل عدوى الفيروس بطريقة أسرع، بما يطيح كل «مكتسبات» الحجر والإقفال.