ليل أول من أمس، كادت إحدى السيدات التي تعاني من نزيف في الدماغ أن تلفظ أنفاسها الأخيرة على باب واحد من المُستشفيات الخاصة الكبرى في بيروت. رفضت إدارة المستشفى إدخال المريضة بعدما أظهر الفحص السريع الذي أجري لها في الطوارئ وتقاضى المستشفى 500 ألف ليرة بدلاً له، أنها مصابة بفيروس «كورونا». لم يكن أمام ذوي السيدة إلا اللجوء إلى أحد المُستشفيات الحكومية التي بات معظمها مخصصاً لاستقبال مرضى الفيروس، في وقت لا يزال عدد كبير من المُستشفيات الخاصة يمتنع عن الالتحاق بـ«الحرب» التي يخوضها البلد ضد الوباء، تارة بذرائع مالية وطوراً بحجج أخرى، ممارسة أسوأ أنواع الابتزاز في ظرف صحي واقتصادي عصيب، وهي التي لطالما أثرَت على «ظهور» اللبنانيين. ليست هذه حادثة وحيدة من نوعها. في الأيام الأخيرة، إشكالات كثيرة وقعت على أبواب مستشفيات رفض عناصر الأمن فيها السماح لفرق الصليب الأحمر بنقل مصابين بالفيروس اليها. وعلى غرار نشر عناصر أمنيين على أبواب المصارف لحمايتها من غضب المودعين، برزت دعوات أمس إلى نشر عناصر من الجيش على أبواب المستشفيات لحمايتها من غضب المصابين الذين لم يعد من أسرّة كافية لاستيعابهم.أمس، قالها رئيس نقابة المُستشفيات الخاصة سليمان هارون لـ«الأخبار» بوضوح: «لا نستطيع أن نُقدّم أكثر». وأضاف: «المُشاركة (في مكافحة الوباء) تحتاج إلى مبالغ طائلة لا نملكها، وطواقم بشرية غير موجودة. لا نستطيع سوى إضافة أشياء بسيطة». وعن الدعوة إلى تخصيص المُستشفيات للمُصابين بفيروس كورونا، سأل هارون: «ماذا نفعل ببقية المرضى؟ هذا طرح غير عملي إطلاقاً»، مُشيراً إلى أن المُستشفيات الخاصة ضاعفت طاقتها الاستيعابية، «وهناك 90 مُستشفى من أصل 127 تستقبل مرضى كورونا».
لكن هذا الكلام يدحضه الجدول الذي نشرته وزارة الصحة قبل أسابيع، والذي يُبيّن بوضوح تخاذل «كبار» المُستشفيات عن فتح أسرّة لاستقبال مرضى كورونا، وتخصيص بعضها سريراً أو اثنين حداً أقصى كـ«رفع عتب».
المُستشفيات الخاصة تملك القدرة على التجاوب مع الأزمة لكنها لا تملك النية للقيام بذلك


ووفق التقديرات الرسمية، يملك القطاع الاستشفائي الخاص نحو 13 ألف سرير (بين عناية فائقة وعادية)، فيما إجمالي الأسرة المُخصّصة لمرضى كورونا في هذه المستشفيات لا يتجاوز 1250 سريراً، «فهل يُعقل أن تقتصر الطاقة الاستيعابية القصوى للمُستشفيات التي راكمت أرباحاً على مرّ عقود على 10% فقط من أسرّتها؟»، تسأل مصادر رسمية معنية بملف كورونا، مُشيرةً إلى أن هذه المُستشفيات «تملك القدرة على التجاوب مع الأزمة، لكنها لا تملك النية للقيام بذلك بحجة عدم حصولها على أموالها ومُستحقاتها المتراكمة». وإذ ليس هناك أحد ينكر على المُستشفيات حقها في تحصيل أموالها، لكنّ ثمة إجماعاً من قبل المعنيين على أن الجهود التي تبذل لـ«إرضاء» المُستشفيات ينبغي أن تكون كفيلة بدفعها الى رفع منسوب مسؤوليتها إزاء الكارثة الصحية التي تلمّ بالبلاد.
وفي تجلٍّ واضح لتلك الكارثة، أعلنت وزارة الصحة، أمس، وفاة 53 شخصاً خلال 24 ساعة، ما رفع إجمالي ضحايا الوباء إلى 1959، فيما وصلت معدلات الوفيات إلى 280 شخصاً في المليون، وهو رقم يفوق ذلك المسجل في الهند (110 في المليون) التي تحتل المرتبة الثانية عالمياً في إجمالي الإصابات. كذلك سُجلت 3144 إصابة (18 منها وافدة) من أصل 12 ألفاً و371 فحصاً فقط (نصف المعدل المعتاد للفحوصات)، ما يعني أن نسبة إيجابية الفحوصات بلغت 25%! وهي إن دلت على شيء، فعلى خطورة الوضع الآخذ في التفاقم، «والذي سيضع الناس في الأيام المُقبلة في مواجهة مع الفرق الطبية في المُستشفيات، وما يرافق ذلك من مشاكل على أبواب الطوارئ»، وفق الطبيب الناشط في اللجان الطبية الممثلة للأطباء في المُستشفيات جان أبي يونس، لافتاً إلى أنه «لم يسبق لبلد أن تجاوزت فيه نسبة إيجابية الفحوصات الـ10%»، وإلى أن «غياب الاستراتيجيات أدى إلى هذا الواقع الفوضوي الذي يستوجب إعلان حالة طوارئ صحية». ودعا أبي يونس السلطات المعنية الى ترشيد استعمال أجهزة تصنيع الأوكسيجين وأجهزة التنفس والأدوية المخصصة لعلاج كورونا وغيرها من المُستلزمات التي باتت تباع في السوق السوداء، وتسليمها للبلديات والمعنيين في الأطراف، «ليتمكن الأطباء في المناطق من معالجة نحو 60% من الحالات التي يمكن معالجتها في البيوت متى ما توافرت الأدوات والمستلزمات الطبية لذلك».
الى ذلك، كان لافتاً أن يتضمّن البيان الصادر عن اللجان الطبية الممثلة للأطباء في المُستشفيات، أمس، الدعوة الى توفير الحماية الأمنية اللازمة للمستشفيات لضمان استمرارية العمل «في الأوقات الصعبة المُقبلة». كما عكس البيان اقتناعاً بأن هناك «جهداً تستطيع بذله المُستشفيات الخاصة في هذه المرحلة الحرجة»، مناشداً إياها «خاصةً تلك التي لم تفتح غرفاً للكورونا، القيام بالمزيد في هذه المرحلة التاريخية». كما طالب البيان الجهات المعنية بـ«النظر فوراً في وضع الأطباء المتمرنين وتقديم ما يلزم لهم للصمود في هذه المرحلة، ولو تطلب ذلك أي استثناءات (...) لأنهم فعلياً الطبقة التي يعتمد عليها العديد من المُستشفيات».