القاهرة | منذ إعلان اتفاق التطبيع الإماراتي ــ الإسرائيلي العلني والشامل، وانضمام دول أخرى إلى اتفاقات مماثلة، بدأت أروقة مختصة في القاهرة بصمت دراسة الآثار السلبية المتوقعة في حركة الملاحة في قناة السويس التي تشكل مصدر الدخل الرئيسي للاقتصاد المصري، ولا سيما بعد إعلان العدو نيته إعادة تشغيل خط إيلات ــ عسقلان الذي كان يعمل منذ ستينيات القرن الماضي بين تل أبيب وطهران إبان حكم الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي. ويصل طول الخط إلى 158 ميلاً، وهو يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، لتكون كلفة ضخ النفط أرخص للخليج، في بديل من الناقلات التي تعبر السويس برسوم تعود على الخزينة المصرية. هكذا، ستتحول المكاسب لمصلحة إسرائيل، فيما يتوقع رئيس «هيئة قناة السويس»، الفريق أسامة ربيع، أن يؤثر الخط عند تشغيله بنسبة 16% تقريباً في عائدات القناة.تقدير ربيع الجديد لحجم الخسائر أثار حالة من الغضب لدى الأجهزة المصرية، بعدما خالف التصريحات السابقة على المستوى الرسمي، التي أكدت أن لا منافسة بين «السويس» وأي مشاريع يجري تنفيذها بين دول الخليج وإسرائيل، وهو ما دفع الهيئة آنذاك إلى إصدار بيان صحافي تنفي فيه التأثير بهذه النسبة الكبيرة، مؤكدة أن التأثير لن يزيد على 0.61% من إيرادات القناة! المبرر للأرقام القديمة، طبقاً للوحدة الاقتصادية في قناة السويس، أنه يجري تصدير البترول الخام بصورة رئيسية إلى دول آسيا التي تجري عمليات تكرير لمشتقات البترول، في الوقت الذي تراجعت فيه دول الخليج عن تصدير الخام إلى أوروبا وأنها تمثل مجتمعة نحو 8% من إجمالي حركة السفن العابرة. وكان تقدير الوحدة مبنياً على أن ما يجري تصديره من مشتقات البترول سيظل يمر من خلال القناة، فضلاً عن أن الشحنات التي ستضخ عبر الخط ستحتاج إلى التفريغ والشحن في ناقلات تخرج إلى البحر المتوسط، مع استمرارها في تأكيد الامتيازات التي توفرها القناة والحرص على إعلان البيانات كافة رسمياً.
من الحلول المقترحة الشراكة مع الإمارات وإسرائيل في خط النفط!


في المقابل، تكشف مصادر، في حديث إلى «الأخبار»، أن التقديرات المعلنة لنفي تصريح رئيس الهيئة «ليست صحيحة»، بل «مرتبطة بحملة إعلامية منهجية طُلب فيها من أعلى التركيز فيها على إخفاء الآثار السلبية للمشروع من أجل تجنّب أزمة سياسية بين القاهرة وأبو ظبي، خاصة أن الأولى ليس من حقها المطالبة بألا يكون هناك تعاون بين الإماراتيين والإسرائيليين في المشروع الجديد»! الأزمة الفعلية للنظام في مصر هي عجزه أصلاً عن ممارسة ضغوط كبيرة على السلوك الإماراتي الهادف إلى تعزيز نفوذ أبو ظبي على السياسيين الإسرائيليين عبر ضخ مزيد من الأموال في فلسطين المحتلة، بما يسمح بتشكيل لوبي اقتصادي مؤثر في الحكومة الإسرائيلية، طبقاً لتصورات التقارير الرسمية للرئاسة.
من جراء ذلك، طُرحت حلول سريعة، منها أن تقدم «السويس» حوافز إلى الناقلات وفق المسارات القادمة من الخليج في طريقها إلى أوروبا، في محاولة لتخفيف الخسائر التي يُتوقع أن تتلقاها القناة مع السياسات الخليجية الجديدة، علماً بأن الهيئة لا تزال تسدد كلفة التوسعات الكبيرة التي أجرتها خلال السنوات الماضية بتوجيهات مباشرة من عبد الفتاح السيسي، من دون دراسة جدوى دقيقة لعائداتها، خاصة مع المعدل السريع للتنفيذ. كذلك، تراهن هيئة القناة على الخدمات اللوجستية التي تقدمها مع التخفيضات الجديدة التي ستقرّها تدريجياً، بما يسمح بتحقيق أهدافها، إضافة إلى سيناريوات أخرى يجري بحثها على أعلى مستوى حالياً، في مقدمتها «الدخول في شراكة استراتيجية مع الإمارات وإسرائيل» في تنفيذ الخط، فضلاً عن تدشين أنابيب لنقل النفط عبر القناة، إلى جانب تقليل رسوم العبور الذي بات أمراً محسوماً.
ولا يبدو أن شيئاً سيوقف المشروع إسرائيلياً، خاصة مع الرهان على كون المسار الجديد أكثر أمناً من قناة السويس التي تتأثر بالتوترات في الصومال واليمن وسيناء نفسها، مقابل استقرار مسارات خط النفط وتأمينه بصورة كاملة وسهولة النقل عبره، الأمر الذي تحاول القاهرة معالجته بسيناريواتها المتأخرة جداً!