لم يكُن ينقُص صورة الغموض الكبير الذي يكتنِف المساعي الدولية «لأجل لبنان» سوى تضاعُف المؤشرات الداخلية السلبية لدحض التعويل على حراك فرنسي، زُعِم أنه سيؤدي الى ولادة حكومية قريبة جداً، وذلك من خلال مؤشرات عديدة:الأول، أن رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، الذي كانَت القوى السياسية تنتظِر أخباراً عن جولته خارِج البلاد، بدأ يتبيّن لها أنه خالي الوفاض. بعدَ مصر والإمارات، لن يتوجّه الحريري إلى باريس كما كانَ متوقعاً. وبحسب أكثر من مصدر، سيتوجّه الرئيس المكلف من أبو ظبي الى تركيا في غضون يومين، وزيارته هذه تتعلّق بملفات «مالية - شخصية» تتّصل بأعماله هناك. وهذا الأمر يعني أن ليس في جعبة الفرنسيين ما هو جديد لنقاشِه مع الحريري.
الثاني، هو الاتصالات التي أجراها الفرنسيون في الأيام الماضية مع القوى السياسية، تحديداً المعنية بملف تأليف الحكومة. من بعبدا الى عين التينة مروراً بحارة حريك. في حديثهم، لم يقدّم الفرنسيون أي فكرة، ولم يَظهر في كلامهم أن في جعبتهم ما يستطيعون من خلاله الضغط على اللبنانيين لتقديم التنازلات. بل على العكس، حاولوا استطلاع الأجواء بشأن إذا ما كانَ هناك ما يُمِكن القيام به!
والثالث، استمرار التعارك الداخلي، الذي تُوّجَ أخيراً بالهجوم المتبادل بينَ رئيسيّ الجمهورية ومجلس النواب عبرَ الإعلام. وإن كانَت خلفية هذا التعارك، ظاهرياً، هو ما صرّح به النائب أنور الخليل حول «الفصل السابع»، لكن يبقى الأصل في حزازات النفوس بين الرئيسين.
آخر المعلومات، بحسب ما أكدته مصادر لـ«الأخبار»، أن مستشار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأدنى، باتريك دوريل، سيحطّ في بيروت نهاية هذا الأسبوع. ثمة مَن يتعامَل في لبنان مع توقيت العودة الفرنسية، على أنها وثيقة الصلة بمناخ إقليمي مستجدّ أسّست له نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة، وأن هذا المناخ يتجّه بالمشهد اللبناني نحو مرحلة هدنة عبر تأليف حكومة ظرفية بـ«التراضي». غيرَ أن مسار الأمور في الخارج ليسَ أقلّ تعقيداً من الداخل، وتُعيقه أكثر من عثرة.
- بعدَ أن رأت باريس في تغيير الإدارة الأميركية فرصة للتعويض عن إخفاقها في الملف اللبناني، توجّهت الى واشنطن لتعويم مبادرتها من جديد. الواقع أن الأميركيين ليسوا إيجابيين في ما يتعلّق بالملف اللبناني، بعكس ما يحاول البعض التسويق. الأميركيون أولوياتهم في مكان آخر، ولبنان على آخر جدول أعمالهم، لذا فإن وضع الملف بأيدي الفرنسيين ليسَ تفويضاً مطلقاً، لكن ترك الأمر لهم للبحث عن حلول «إما أن يرفضها الأميركيون أو يقبلون بها في ما بعد».
- لم تنجَح باريس حتى الآن في استنساخ توافق فرنسي - سعودي، على غرار التوافق الفرنسي – الإماراتي. الإماراتيون كانوا أكثر انفتاحاً في ما يتعلّق بالأزمة اللبنانية، بينما الرياض لا تزال عند موقفها الرافض لأي تسوية مع إيران وحزب الله، وبالتالي لن يكون بمقدور الإمارات القيام بأي دور فعّال مستقلّ عن السعودية، كما لن يكون لدى الرئيس المكلف القدرة على تجاهل الفيتو السعودي لأي تسوية، حتى ولو كانَ الفرنسيون عرّابيها.
حاول الفرنسيون استطلاع الأجواء بشأن إذا ما كانَ هناك ما يُمِكن القيام به


- لا رأي واحداً داخل الإدارة الفرنسية بشأن الأزمة اللبنانية؛ ففيما يميل مدير وكالة الاستخبارات الخارجية برنارد إيمييه الى الحريري، بطبيعة الحال نظراً إلى كونه صديقاً قديماً لجماعة «ثورة الأرز»، يفضّل رجال الإليزيه تدوير الزوايا «على الطريقة اللبنانية».
وأخيراً والأهم، طغيان السقوف الداخلية على ما عداها. فلا أحد من الأطراف المتصارعين يجِد نفسه مضطراً الى التراجع. الحريري - في جولته خارج البلاد - سمِع كلاماً من قبيل أن الرعاية الإقليمية التي يبحث عنها هي مشروطة بعدم تنازله وبعدم العودة عن اللاءات التي سبقَ أن وضعها، بينما خلاصة كل حديث مع رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل مفادها «ما دامَ الحريري هو الرئيس المكلف، وما دام كل فريق يشترط حصته وأسماء الوزراء، فيحق لرئيس الجمهورية أن يطالب بحصة وازنة، وان يسمّي وزراءه».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا