الحسكة | تعمل موسكو على استثمار وساطتها على خطّ القوى الكردية ودمشق، وتوسيعها لتكون إطاراً لإعادة تحريك المياه الراكدة بين الطرفين، تمهيداً للتوصّل إلى تفاهمات على القضايا الخلافية. وشَكّل الحصار الذي فرضته «قسد» على الأحياء الخاضعة لسيطرة الجيش السوري في مدينتَي الحسكة والقامشلي، دافعاً لاستعجال تفعيل الحوار، وخصوصاً أن موسكو تريد استثمار تلك التطوّرات لإنجاز تفاهمات في ملفّ «شرقيّ الفرات»، بعيداً من القتال. ويبدو أن إعلان «البنتاغون» تخلّيه عن مهمّة حماية آبار النفط بعث بإشارات سلبية إلى «قسد»، الأمر الذي دفعها إلى الانفتاح على دمشق مجدّداً، برعاية روسية. على هذا الأساس، وصل، منتصفَ الأسبوع الجاري، وفدٌ من «الإدارة الذاتية»، مؤلّف من أحمد العمر، المعروف بـ»بدران جيا كرد»، نائب رئيس «الإدارة الذاتية»، وآخرين، إلى دمشق، حيث التقوا عدداً من المسؤولين الحكوميين. ووفق مصادر مطّلعة على مجريات اللقاءات تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «دمشق وافقت على السماح بمعالجة جرحى قسد في المشافي الحكومية في دمشق، وإطلاق عدد من الموقوفين، مقابل الإفراج عن عسكريّين ومدنيّين اختطفتهم قسد كبادرة حسن نيّة بين الطرفين». وكشفت المصادر عن «موافقة مبدئية من قسد على رفع العلم السوري، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية، مقابل إيجاد خصوصية لقسد ضمن جسم الجيش السوري، ودراسة الإدارة الذاتية لتكون إدارة محلية وفق تقاطعات مع قانون الإدارة المحلية الرقم 107». وأضافت إن «قسد أبدت موافقة مبدئية على مقترح روسي للانضمام إلى الجيش السوري، على شكل فيلق مماثل للفيلق الخامس الذي تُشرف عليه القوات الروسية، مع طلب احتساب مدّة خدمة عناصرها ضمن خدمة الجيش السوري النظامي». وأشارت إلى أن «الوفد الكردي سيكرّر الزيارات إلى دمشق، لاستكمال حواراته مع الحكومة برعاية روسية، وإنجاز تفاهمات سيُعلَن عنها رسمياً في حال التوصّل إلى اتفاق فعلي». وأكدت أن «هذه الجولة من الحوار كانت الأنجح، وفي حال التفاهم، ستكون منعطفاً مهمّاً نحو إنهاء الحرب في جزء مهمّ من البلاد». وبيّنت أن «الحديث عن استثمار حقول النفط والغاز، وعودتها إلى السيادة الوطنية السورية، سيُبحث في جلسات قادمة، في حال إحراز تقدّم ملموس في القضايا الإدارية والسياسية». ولفتت إلى أن «مسألة وجود صناديق انتخابية للانتخابات الرئاسية القادمة في مناطق سيطرة قسد ستُناقَش خلال تلك الفترة، لتكون خطوة مهمّة من خطوات التفاهمات الشاملة في المنطقة».
تناقَش مسألة الإدارة الذاتية انطلاقاً من «قانون الإدارة المحلية 107»


من جهته، يقابل مصدر سوري حكومي مطّلع تلك المعلومات بالقول إن «الدولة السورية منفتحة على الحوار مع الأطراف كافة، على أساس وحدة وسيادة الأراضي السورية». ويُذكّر المصدر بأن «دمشق تشدّد دائماً على ضرورة فكّ قسد ارتباطها بالاحتلال الأميركي، ليكون ذلك أساساً مهمّاً لإنجاز حوار وطني حقيقي معها». ويضيف إن «الدولة ترجِّح دائماً لغة الحوار، بعيداً عن أيّ عمليات عسكرية»، وهو ما ظهر فعلاً في أحداث الحسكة والقامشلي الأخيرة. في هذا الوقت، تداولت وسائل إعلام تصريحات لِمَن وصفته بـ»الدبلوماسي السوري»، محمد خلّوف، المقرّب من روسيا، أكد فيها أن «العمل جارٍ لإطلاق مبادرتين: الأولى لتنظيم العلاقة بين الدولة السورية والأكراد، والثانية لحلّ نهائي للأزمة في سوريا». ونقلت وسائل الإعلام المذكورة عن خلّوف أن «مبادرة الحلّ النهائي تقوم على أساس ضمان مصالح جميع الدول الفاعلة في الأزمة، وهي روسيا وأميركا وإيران وتركيا».
ويشير الأكاديمي الكردي، فريد سعدون، المطّلع على مسار الحوار بين الطرفين، في تصريحات إلى «الأخبار»، إلى أن «جميع جولات الحوار التي كانت تجرى بين ممثّلين عن الحكومة والإدارة الذاتية في القامشلي ودمشق وحميميم، لم تنجح بسبب عدم وجود جدّية لدى الطرفين، وتمسّك كلّ طرف بشروطه من دون تقديم أيّ تنازلات، بما فيها الاعتراف بالقواسم المشتركة». ويرى سعدون أن «استشعار قسد للخطر التركي، وعدم وضوح الموقف الأميركي، ولّدا مخاوف من تمدّد تركي جديد في المنطقة، وهو ما تخشاه دمشق أيضاً، وعلى هذا الأساس تأسّست أرضية لإطلاق حوار جدّي بين الطرفين، وهو ما حصل فعلاً». ويؤكد أن «قسد تخلّت عن مطلب الفيدرالية، وأبدت موافقةً على الانضمام إلى الجيش السوري، وتريد مناقشة الإدارة الذاتية مع دمشق، وهو المفهوم الفضفاض الذي تمكن مناقشته بما ينسجم مع قانون الإدارة المحلية الرقم 107». ويستبعد الأكاديمي الكردي «وجود أيّ اعتراض أميركي على أيّ اتفاق بين الحكومة والإدارة الذاتية، لكون الأميركيين يريدون قسد كقوة تحارب داعش، وليس الجيش السوري».
مع ذلك، يبقى الحديث عن تفاهمات رهنَ التنازلات التي يمكن تقديمها، سواء من جهة «قسد» أو من جهة الحكومة السورية، التي تؤكد دائماً رفضها أيّ مفهوم لـ»الإدارة الذاتية»، وتعتبره «نزعةً انفصالية». كما أن عدم وجود شخصيات وازنة ذات تأثير مهمّ من «قسد» ضمن عداد الوفد، يجعل هذه التفاهمات الأوّلية غير ثابتة، وقابلة للنسف كلّياً، وخاصة في ظلّ وجود تعقيدات تحتاج إلى وقت غير قصير لحلّها والتوافق عليها، وهو ما يهدّد بعودة الأمور إلى النقطة الصفر.