الليلة، يعود «مهرجان السينما الأوروبية الثاني والعشرون» كعادته إلى «متروبوليس أمبير صوفيل». التظاهرة السينمائية التي تنظمها بعثة الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع سفارات الدول الأعضاء في الإتحاد، تتضمن 33 فيلماً من آخر الانتاجات الأوروبية، فيما توجّه تحية إلى النجم الراحل عمر الشريف (عرض فيلم لورنس العرب» يوم 2 فبراير)، وتحتفي بـ 400 سنة على رحيل شكسبير من خلال عرض «ترويض الشرسة» لزيفيريللي المقتبس عن مسرحية شكسبير بالعنوان نفسه (30/1 ــ س:22:15). الفيلم الإفتتاحي هذه السنة هو «بورغمان» للهولندي ألكس فان فارمردام. خيار أقل ما يقال عنه بأنه جريء من جانب المنظمين. في هذا الفيلم الذي رشح للسعفة الذهبية في «مهرجان كان ٢٠١٣»، يغوص المخرج أكثر في عالمه الغرائبي، منتقداً بقسوة فجة حياة البرجوازية الباردة وتدرجات العنف اللامرئي التي تخرج عبر لغته السينمائية من الاستعارة إلى الحقيقة. يبدأ الفيلم بفريق من الشرطة وهو يلاحق شخصاً كما يتضح لاحقاً أنّه يعيش في الغابة تحت الأرض. يتمكن «كاميل» (جان بيجفويه) من الهرب، ويخرج ليحذر بقية رفاقه الذين يعيشون أيضاً تحت التراب، فيدق على الأرض كمن يدق على جرس البيت، ويفتح له الشخص النائم داخلها بكامل أناقته بسعادة في سريره السفلي كما دراكولا أو الشيطان المعاصر. وباستثناء بعض التراب العالق في بذلته، لا شيء يبدو غير عادي في المشهد. قوة المخرج تكمن في قدرته على تصوير أكثر الأشياء غرابة باعتيادية مدهشة، تضاعف من حس الكوميديا المبطن الذي يسيطر على الفيلم. يجول كاميل في إحدى الضواحي الثرية حيث يطرق أبواب المنازل طالباً أن يسمحوا له باستخدام الحمام، فهو لم يستحم منذ سنوات طويلة، طبعاً وسط دهشة من يسألهم، واستغرابه رفضهم لهذا الطلب البسيط. يواصل جولته إلى أن يصل إلى أحد المنازل، وهذه المرة يفتعل مشكلة مع الزوج مدعياً أنّه يعرف زوجته رغم نفيها ذلك. في ثورة غضبه، يتهجم الزوج على كاميل ويشبعه ضرباً. مع ذلك، لا يغادر كاميل المنزل فيما الزوجة مدفوعة بإحساسها بالذنب، تسمح له بالبقاء خفية عن زوجها. هنا يعبر الفيلم من الغرابة المضحكة نحو عالم أكثر تعقيداً هو مزيج بين الواقعية والسوريالية. يشرح المخرج يوميات هذه العائلة الثرية وأولادها. الزوج يذهب إلى عمله ليحضر المزيد من المال والمجوهرات لزوجته، فيما الأخيرة ضجرة تشغل يومها بين الاهتمام بالوافد الجديد كاميل ورشق الألوان على الكانفاس في مرسمها الخاص في محاكاة للفن الحديث ضمن نظرة المخرج الساخرة وجو البرودة المقلقة الذي يمثله عالم هذه العائلة المثالي المنفصل عن الواقع، إلى درجة تستدعي الشعور بالذنب كما تقول الزوجة لزوجها في أحد المقاطع. يمثل كاميل كأنما هذا العقاب الإلهي أو الشيطاني الذي تنتظره الزوجة، أو عامل التدمير الذاتي الذي سينقذها من هذه الحياة السعيدة المقلقة التي لا يحدث فيها شيء على الإطلاق. وحين يهم كاميل بالرحيل، ترجوه الزوجة أن يبقى، لكنه مقابل ذلك يشترط عليها لعبة تبادل الأدوار مع البستاني. هذه اللعبة التي ستأخذ الفيلم إلى بعد مختلف، يبدأ بقتل البستاني بطريقة سوريالية على يد كاميل وأصحابه، فينتقلون جميعاً للعيش في منزل العائلة، والعبث بعقولهم وأجسادهم، وتخدير الأطفال، وإجراء عمليات جراحية غامضة لهم.
تعرض النسخة المرممة من «الابتزاز» لهيتشكوك مع عزف مباشر لساري موسى
أمر يصوره المخرج بلغة سينمائية فجة ومباشرة، مما ينتقص من الغرابة الطريفة الأولية والذكية للشريط ويجعله أحياناً أشبه بفيلم رعب غير مفهوم. لا يمنع ذلك أن اللغة السينمائية تنقذ الشريط في جماليتها الإستثنائية من الغرابة العشوائية التي تؤول إليه الأحداث. أيضاً في عالم سينمائي لا يقل خصوصية عن الأول، تدور أحداث فيلم «إيدا» (26/1 ـ س:20:00) للبولندي بافيل باوليكوفيسكي الحائز أوسكار أفضل فيلم أجنبي السنة الماضية، وهو أول فيلم بولندي يحصد هذه الجائزة. «آنا» شابة يتيمة في أحد الأديرة في بولندا في الستينات تستعد لنذر نفسها للرب والدخول في حياة الرهبنة، لكن قبل ذلك، تصر الراهبة الأم على أن تذهب آنا لزيارة خالتها «واندا» الفرد الوحيد المتبقي من عائلتها والتعرف إليها قبل القيام بنذورها. رحلة "آنا" إلى خارج الدير تقودها إلى استكشاف هوية أخرى عن نفسها كانت حتى الآن تجهلها. لدى لقائها بخالتها "واندا"، تكتشف أنها ولدت يهودية، وأن أبويها قتلا أثناء حقبة النازية وأن إسمها الحقيقي هو "إيدا". غير أن ذلك ليس وحده ما يصعب على "إيدا" مواجهته، بل شخصية خالتها التي تمثّل نقيضها، في تحررها وعلاقاتها الجنسية المتعددة وإدمانها الكحول. البرودة الأولية التي نحدسها في شخص الخالة خلال لقاء إبنة أختها، سرعان ما تتبدد، فتتخلى عن دفاعاتها الذاتية، ويظهر دفء المشاعر التي تكنها لها، لكن أيضاً مع استعادة الذكريات، يعود الألم الذي حاولت «واندا» الهروب منه عبر عدم محاولة إيجاد «إيدا». تذهب الإثنتان لاحقاً في رحلة للبحث عن بقايا عائلة "إيدا" التي قتلت، وأيضاً إبن «واندا» كما نكتشف لاحقاً، في محاولة لدفن هذا الماضي الذي لا يعترف به أحد. ورغم قسوة الموضوع وكثرة تناوله سينمائياً، إلا أن المخرج نجح في شريطه المصور بالأسود والأبيض في تقديم لغة سينمائية آخاذة في هندستها البصرية، والرموز التي تقترحها بتصوير موضوع الهولوكست من زاوية استثنائية، مبتعداً عن تصوير مشاهد العنف المجانية أو القسوة المباشرة. بخلاف ذلك، يقدم المهرجان حوالى 33 فيلماً من أهم إنتاجات السينما الأوروبية هذه السنة أو ما سبقها، كما «حكاية الحكايات» لماتيو غاروني (29/1 ــ س: 22:15) من بطولة فنسنت كاسل وسلمى حايك الذي رشح للسعفة الذهبية في «مهرجان كان ٢٠١٥» أو من النرويج ضيفة المهرجان هذه السنة، إضافة إلى سويسرا وصربيا. ومن الأفلام المنتظرة «أعلى صوتاً من القنابل» للنرويجي جواشيم تراير من بطولة الممثلة إيزابيل هوبير الذي رشح للسعفة الذهبية، و«شباب» (28/1 ـ س:19:30) للإيطالي باولو سورنتينو مخرج «الجمال العظيم» الحائز أوسكار افضل فيلم أجنبي، و"45 سنة" لأندرو هاي (27/1 ــ س: 20:00 ) التي حازت عنه الممثلة شارلوت رامبلينغ جائزة الدب الفضي في «مهرجان برلين السينمائي» هذه السنة، والعديد غيرها. أيضاً، يعرض للمرة الأولى في لبنان فيلم « ٣٠٠٠ ليلة» للمخرجة مي المصري (راجع مقال الزميل علي وجيه)، إلى جانب أربعة أفلام كوميدية مختارة من كلاسيكيات السينما الأوروبية بين ١٩٦٣ و ١٩٨١. كذلك، يولي المهرجان اهتماماً خاصاً لسينما الأطفال هذه السنة، فتعرض ثلاثة أفلام روائية طويلة، سيدعى أطفال من الطبقات الأكثر احتياجاً واللاجئون لمشاهدتها مجاناً. أيضاً، سيعرض فيلم «الإبتزاز» (١٩٢٩) للمعلم ألفرد هيتشكوك في نسخته المرممة بالتعاون مع «جمعية متروبوليس» ويرافق العرض عزف مباشر من تأليف وأداء عازف الموسيقى الإلكترونية ساري موسى المعروف بـ radiokvm. ويواكب المهرجان أزمة النفايات في لبنان من خلال عرض وثائقي trashed للمخرجة كانديدا برادي حول تلوث البيئة، تليه مناقشة حول أزمة النفايات في لبنان وجهود الإتحاد الأوروبي لمعالجتها، إضافة إلى عرض أفلام قصيرة لطلاب من مختلف الجامعات اللبنانية. وسيمنح المهرجان كعادته للسنة جائزتين للأفلام المختارة الفائزة.


«مهرجان السينما الأوروبية الثانية والعشرون»: بدءاً من الليلة حتى 6 شباط (فبراير) ــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/204080