على اثر اصدار محكمة التمييز العسكرية في 14 كانون الثاني، بالاجماع، قرارها اطلاق الوزير السابق ميشال سماحة بكفالة مالية، سيقت الى الجيش اتهامات شتى. بعضها علني والآخر مضمر. الى الآن، اكتفت المؤسسة العسكرية بالصمت والاحجام عن استدراجها الى الخوض في ملف غير معنية به مباشرة، وان يكن القضاء العسكري مَن يضع ملف سماحة بين يديه. بعض ما قيل أعاد تأكيد ما رافق قرار المحكمة العسكرية في 13 ايار الفائت ادانة سماحة وحبسه اربع سنوات ونصف سنة، بالمطالبة بداية بالغاء المحكمة العسكرية، ثم المناداة بتحديد مهماتها وحصر صلاحياتها بالعسكريين، وانهاء دورها كمحكمة استثنائية في ملفات يقتضي حملها الى القضاء المدني. الكلام نفسه استرجع بوتيرة اكثر عنفاً بعد اطلاق سماحة، بعدما اعترف بالفعل الجرمي واوقف به بالجرم المشهود.
لم تخلُ الاتهامات الموجهة الى الجيش ــــ وفي بعض الصالونات السياسية وخصوصا في اوساط تيار المستقبل بالذات الى قائده العماد جان قهوجي ــــ من حسابات سياسية، كان قرار محكمة التمييز العسكرية مناسبة لربط هذا بتلك. منها القول ان القيادة استبدلت ضباطا في عضوية المحكمة بآخرين اسبوعين قبل صدور قرار 14 كانون الثاني، الى كلام آخر مغزاه ان المحكمة العسكرية غير بعيدة من توجهات القيادة في معرض التلميح الى تأثيرها على الضباط اعضاء المحكمة.
صمّت قيادة الجيش اذنيها، ولم تشأ ان تعتبر نفسها معنية بهذا السجال. لم تجد، بحسب مرجع عسكري رفيع، في كل ما قيل سوى مماحكات توخت وسائل الاعلام لافتعال ضجة من حولها، والتحامل على المؤسسة العسكرية في توقيت سياسي وامني غير صائب، وفي ملف ليست اليرزة مكانه الطبيعي والحقيقي.
يُبرز المرجع العسكري الرفيع بضعة معطيات منها:
1 ــــ حصل استبدال ضابطين عضوين في محكمة التمييز العسكرية منذ ما قبل العطلة القضائية لاشهر خلت ــــ وليس قبل اسبوعين على نحو ما شاع ــــ أوجبه احالة العميد احمد حصني على التقاعد، وتعيين العميد فادي غريب قائدا للكلية الحربية. وهو استبدال ارتبط بأسباب الخدمة لا بالملف الموضوع امام المحكمة.
اطلاق النار على المحكمة العسكرية اقرار بعجز اصحاب الحملات عن وضع ايديهم عليها

2 ــــ رغم ان قائد الجيش صاحب قرار تشكيل الضباط وانتدابهم الى المحكمة العسكرية، الا انها تتبع سلطة وزير الدفاع الذي يوقع قرارات الانتداب والتشكيل. وهي تبعا لذلك سلطة قضائية مستقلة يرئسها قاض مدني يسميه مجلس القضاء الاعلى، تضم اليه اربعة قضاة ضباط.
3 ــــ منذ ما قبل اتخاذ قرار 14 كانون الثاني، اتفق الاعضاء الخمسة في محكمة التمييز على ضرورة صدور قرارهم بالاجماع، بحيث يصير في حال تعادل الاصوات الى ترجيح رأي الفريق المنسجم مع الموقف الذي يتخذه القاضي المدني طاني لطوف، وذلك تفاديا لظهور محكمة التمييز في مظهر المنقسمة على نفسها. تالياً يصدر قرارها بالاجماع. عندما ناقشت قرار اطلاق سماحة ايده ضابطان وعارضه ضابطان، فرجح رئيس المحكمة الكفة الى جانب مؤيدي اطلاقه، وهو كان موقفه. ضمت محكمة التمييز اربعة ضباط مناصفة: مسيحيان وشيعي وسني. العضوان المسيحيان كانا ضد اطلاق الرجل، بينما العضوان السني والشيعي مع اطلاقه.
4 ــــ اتخذت المحكمة قرارها استنادا الى ان سماحة يحاكم في دعويين: اولى نقل سلاح اتخذت قرارها في شأنها المحكمة العسكرية في 13 ايار بحبسه اربع سنوات ونصف سنة نفذ حكمها، وثانية هي الشروع في القتل برأته منها المحكمة العسكرية. إستونف الحكم في الدعوى الثانية واستمرت المحاكمة الى ان استنفد سماحة مدة سجنه، فأطلق كي يحضر الى جلسات الدعوى الثانية المستأنفة كلما دُعي اليها، ومنعه من السفر. لا يسع المحكمة هنا الابقاء على سجنه لئلا يُفسر هذا الاجراء ــــ قبل ان يصدر القرار ــــ بحكم مسبق. الواقع ان صاحب هذا المخرج هو القاض المدني لطوف الذي رجح من خلال هذا الحل كفة التصويت لمصلحة اطلاق سماحة بكفالة مالية. لم يكن الجيش على علم بالقرار، ولم يتصرف على انه معني.
5 ــــ لا يرى المرجع العسكري الرفيع في اطلاق النار على المحكمة العسكرية سوى اقرار بعجز اصحاب الحملات تلك عن وضع ايديهم عليها. القرار في ملف سماحة امر، والحاجة الملحة الى المحكمة العسكرية امر آخر. في احسن الاحوال ما يجعلها تختلف عن سواها من المحاكم المدنية انها اقل ارتكابا للاخطاء، وفي الغالب لا ترتكبه. لم ترتكبه في ملف سماحة ما دام القرار كان للقاضي المدني لا للاعضاء الضباط. لا ملفات نائمة في ادراج المحكمة العسكرية شأن سواها، ولا ملفات ترحّل من سنة الى اخرى.
6 ــــ لا يسع قيادة الجيش في اي وقت الموافقة على الغاء المحكمة العسكرية على نحو ما يطالب به البعض، في وقت تنحو دول عظمى الى استحداث محاكم استثنائية لمواجهة الارهاب الذي يضرب في كل مكان. بل ليس في وسع المحاكم المدنية اصدار احكام في ملفات الارهاب، بينما يعجز المجلس العدلي ــــ وهو محكمة استثنائية ــــ عن بت عشرات الملفات العالقة لديه المرتبطة بالارهاب.
7 ــــ لا بديل من استمرار المحكمة العسكرية التي يتمسك بها الجيش كمرجع هي الاقدر على جبه ملفات الارهاب، على نحو مماثل للحرب الضارية التي يخوضها على الارض ضد الارهاب من الحدود الشرقية، وصولا الى الحدود الجنوبية مع اسرائيل: حربا الارهاب وشبكات التجسس. يستعير المرجع العسكري عبارة قائد الجيش بالقول ان المنطقة «تعبر في الوقت الحاضر مرحلة تبديل العصور، بالانتقال من عصر الى آخر يشهد اقتتالا تحدث عنه التاريخ واحتاج الى سنوات طويلة، مع ما يمكن ان تجرفه تحوّلات كهذه من دول صغيرة تلغيها، او دول كبيرة تفتتها. تلك هي عبرة التاريخ. وكي لا يكون لبنان يوما على طاولة التفاوض لتقرير مصيره، لا يسع الجيش الا ضمان امنه واستمراره في مواجهة الارهاب».
عبارة قالها قهوجي لمحاوريه الاميركيين، سياسيين وامنيين، عقبوا عليه بالقول انهم يدعمون الجيش للاسباب تلك نفسها. يقول قهوجي ايضا، تبعا لما يذكره المرجع العسكري الرفيع: «نحن امام بوادر حلول يقتضي ان نكون حاضرين ومتماسكين ومستعدين لها».