ما إن خرج رئيس تحرير جريدة «الأخبار» إبراهيم الأمين، من نظام المؤتمرات المتلفزة، الذي ظهر عبره أمام المحكمة الدولية، حتى بدأ الزملاء في مكاتب «الأخبار» تحضير المكان لمؤتمرٍ صحافي، يعلن فيه الأمين موقفه من مجريات جلسة أمس. «العجقة» سيّدة الموقف هنا، فعلى عجلٍ تمّ ترتيب الطاولات في قسم السياسة، وعُلّقت على الزجاج الخلفي صورتان، واحدة للشهيد عماد مغنية، وأخرى لتشي غيفارا. وعلى عجلٍ أيضاً، ثبّت الزملاء في «قناة الجديد» و«المنار» و«أل. بي. سي.» و«أن. بي. أن» و«أو. تي. في» و«الجزيرة» كاميراتهم وعدّتهم بانتظار الأمين.
لدى الأمين، والمستشار القانوني لـ«شركة أخبار بيروت» المحامي نزار صاغية الذي جلس إلى يمينه أشياء يقولانها، في أبسط استنتاجاتها أن المحكمة غير شرعية. «لدينا مجموعة ملاحظات بالشكل، عملنا عليها عندما صدر القرار الاتهامي بحقّ الجريدة والجديد، وموضوع سرية القرار منعنا من نقاشها علناً»، قال الأمين. وسرد رئيس تحرير «الأخبار» باختصارٍ مجريات استدعاء المحكمة له، ومجريات يوم أمس، مؤكّداً أنه فوجئ بأمرين خلال الجلسة، أولهما «إصرار القاضي الإيطالي نيكولا ليتييري على حصوله على جواب إيجابي عن فهمي للقرار الاتهامي. ومع أنني لم أفهم بعض النقاط، أصر على سؤالي إن كنت مذنباً أو غير مذنب. ثم لجوؤه إلى مقاطعتي، وحصلت المقاطعة عندما كنت أتحدث عن ظروف المحكمة، ربما اعتقد القاضي أنني أشكك، وأنا كنت صريحاً بأنني لا أعترف بشرعية المحكمة».

صاغية: العقوبة غير المعروفة تردنا إلى أزمنة العقوبات الاعتباطية
وترك الأمين لصاغية توضيح ثلاث ملاحظات قانونية حول جلسة الأمس، تعزّز شكوك الأمين في حسن نيّة المحكمة. وذكر المستشار أن «الأمر الأول الذي يثير التساؤل، هو السبب الذي منع الأمين من فهم مجمل تفاصيل القرار الاتهامي، مع أنه مكتوب باللغة العربية». و«هنا يظهر أحد عيوب هذه الإجراءات، فالعقوبة غير معروفة، وهي مسألة تردنا إلى أزمنة كانت العقوبات فيها اعتباطية، وهناك تناقض كبير بين هذه المواد والقانون اللبناني، وتمس بحقوق المتهم، وما يعزز هذه المشاعر أنه للمرة الأولى يُدَّعى فيها على شركة في محكمة دولية، فما هي العقوبة التي تترتب على الشركة؟ المحكمة ليست تجارب!» قال صاغية.
الأمر الثاني الذي مرّ عليه المستشار هو «موضوع المحكمة»، وسأل: «كيف اعتبر القاضي ما يقوله إبراهيم خارج الموضوع؟ وهل هو فعلاً خارج الموضوع؟ الرجل تحدّث عن تفجيرات ذات طبيعة أخطر من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأمور لا يمكن أن تقول عنها أي محكمة دولية إنها خارج الموضوع، بل هي في صلب معنويات القضية، كما أن الطعن في أساس المحكمة هو في أساس الدفاع، كما القول إن قرار المحكمة هو انتقائي تمييزي، من الضروري أن نتكلم عن هذه الجرائم، لأن هذا الأمر يعطينا معطيات مهمة عن المحكمة».
أما النقطة الثالثة، فاعتبر صاغية أنها ستثير جدلاً قانونياً وفقهياً، وذكر أنه «كان هناك جدل اليوم (الأمس) في المحكمة، هل نعين محامياً أم لا نعين؟ فإبراهيم طلب أن لا تعين المحكمة محامياً له، ثمّ اتخذ قرار بإلزامه بمحام! وكان لافتاً موقف رئيس الدفاع الذي أكد أن فرض تعيين محامٍ على الأمين مخالف لأخلاقيات المحاماة، لأن صلة الوصل بين المتهم والمحامي ستكون معقدة جداً». ودعا صاغية نقابات المحامين في العالم وأوروبا إلى التدخل لـ«الحفاظ على أصول المحاماة».
من جهته، ورداً على سؤال عمّا إذا كان القاضي يعرف ما سيقوله حتى قاطعه، قال الأمين: «الجزء الثاني من الكلمة كان مركّزاً على أني لم أمثل من أجل مصالحي كفرد، بل لأن هذه المحكمة ستتخذ إجراءات تعسفية بحق عائلتي وزملائي. كما أن الأخبار عرضة لحملة منظمة عربية ودولية، مع الأسف، وكنت أشرح للقاضي عن الحملة التي تقوم بها جهات ودول ضد «الأخبار» وهذه الجهات والدول تدعم المحكمة». وتابع: «إذا أراد أن يتخذ القرار، فليتخذه سريعاً!».
ورداً على سؤالٍ آخر عن إمكانية مثوله مرة ثانية أمام المحكمة، قال الأمين: «هذه المحكمة بدأت بالمخالفات من الجلسة الأولى، فصديق المحكمة أُمر أن يسلم القرار الاتهامي، وقال نحتاج إلى منتصف أيار، ثم أجل إلى حزيران، وملفّه فارغ، هو يريد أن يأتي إلى لبنان، ولديه عدة أمور، سيعيد ما قام به صديق المحكمة السابق، وهو يعمل بالتعاون مع جهات محلية، للتواصل مع شهود حتى يقولوا إنهم تعرضوا لحملات تخويف، ويتمّ تقديم مساعدات مادية لترتيب أمور هؤلاء الشهود». وتابع الأمين: «يسعى صديق المحكمة إلى إقناع صحافيين وإعلاميين، بينهم زملاء سابقون في «الأخبار»، للشهادة بأن هناك علاقة بين إبراهيم الأمين والجهاز الأمني في حزب الله، ويريد تكوين ملف لاتهام سبق أن ألّفه». وفي ما خص الجلسة المقبلة، قال رئيس تحرير «الأخبار» إن «الأمر بيد المحكمة، فهناك حقوق وهناك إجراءات، وهناك أشياء كثيرة تحتاج لمراجعة».
وفي سؤالٍ أخير، عن سبب استخدامه مصطلح «مذكرة جلب» في كلمته أمام المحكمة، أكد الأمين أن المصطلح بمثابة استعارة لفظية، مضيفاً: «كان يفترض بالقاضي عندما يدعوني إلى محاكمة، أن يشرح لي بالضبط على أي أساس أنا متهم، وكذلك توفير شروط المثول الأول». وتابع: «لدي خشية مشروعة من أنهم سيلجأون إلى إجراءات تعسفية، أنا غير آبه ولا أعترف بشرعية المحكمة، وكنت سألجأ بعد انتهاء كلمتي، إلى ما دفعني القاضي سريعاً للجوء إليه، وهو الالتزام بالصمت المطبق».