زيارة لافتة في توقيتها ودلالاتها تلك التي قام بها جون كيري لبغداد، في وقت كان فيه مقاتلو تنظيم «داعش» يطرقون أبواب الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، الأردن والسعودية، بعدما سيطروا على معظم الحدود العراقية مع سوريا. جاء عاصمة الرشيد بهدف بدا واضحاً، من خلال تصريحاته: تأكيد التزام بلاده معاهدة التحالف الاستراتيجي الموقعة مع العراق بشرط التزام العراق تشكيل حكومة وحدة وطنية في ضمن المهلة الدستوري التي تنتهي آخر هذا الشهر.
هي محاولة تأكيد الحضور الأميركي في بلاد الرافدين، أو بالأحرى محاولة استعادة حضور ونفوذ فقدت الجزء الأكبر منه بعد سحب قواتها في 2011، مستغلة الوضع الأمني المتدهور الذي جعل شمال العراق وغربه خارج سلطة بغداد. تراهن، على ما يبدو، على حاجة تدخل إيران مباشرة دعماً لحليفها العراقي، نظراً إلى الحساسية المذهبية المتفاقمة في المنطقة، وكون خطوة كهذه ستعطي ذريعة لأفرقاء اقليميين آخرين، بينهم تركيا، وربما الخليج وإنما بقوات مصرية، للتدخل دعماً لمن تقول إنهم شريحة سنيّة محبطة ينتفضون بعنوان داعشي وإنما بمضمون بعثي عشائري مدني.
أما في التوقيت، فتأتي الزيارة في وقت باتت فيه الاشتباكات تدور رحاها عند المعبر الحدودي مع الأردن وفي وقت اقترب فيه عناصر «داعش» من الحدود السعودية. لكن الأهم أنها تأتي بعد 24 ساعة فقط من الكلمة الفصل التي أدلى بها مرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي أول من أمس والتي أكد فيها رفضه أي تدخل أميركي في بلاد الرافدين ورفضه عودة عملاء أميركا إلى الحكم، ما يعني رفضاً لعودة الولايات المتحدة عسكرياً وسياسياً الى العراق.
وأعرب كيري من بغداد عن «التزام الولايات المتحدة حماية أمن العراق واستقلاله، ودعمها له في مواجهة الإرهاب وعزمها على دحر المنظمات الإرهابية، وفي مقدمتها «داعش»؛ لأنها تشكل خطراً على العراق والمنطقة والعالم». وخلال لقائه برئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، مضى كيري قائلاً إن «واشنطن مستعدة لتجسيد ذلك ميدانياً، وملتزمون اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع العراق، ولا سيما التعاون الأمني والتسليحي». وأعرب عن تقديره «لما يظهره الزعماء العراقيون من التزام العملية السياسية والتوقيتات الدستورية لها».
وقال المالكي إن ما يتعرّض له العراق حالياً «يشكّل خطراً، ليس على العراق فحسب، بل على السلم الإقليمي والعالمي وعلى دول العالم، ولا سيما دول المنطقة، ولا بد من أخذ ذلك على محمل الجد»، مضيفاً أنه «تم بحث آخر تطورات التحديات التي يواجهها العراق، وضرورة التزام التوقيتات الدستورية للعملية السياسية، وما ينتج منها من تكليف مرشح الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة الجديدة وينبغي الإلتزام بها». وتابع أنه «بحث مع وزير الخارجية الأميركي آخر تطورات الملف الأمني والتحديات التي يواجهها العراق نتيجة الهجمة الإرهابية»، وفقاً للبيان الحكومي.
وفي مؤتمر صحافي عقده منفرداً، عقب لقائه بالمالكي، قال كيري إن بلاده لن تتدخل في اختيار رئيس الوزراء العراقي المقبل. ومضى قائلاً: «أبلغت القادة العراقيين بضرورة تشكيل الحكومة في أسرع وقت، والمالكي وعدني بالتزام الموعد المحدد‎».
وأضاف: «يجب ان نفهم الاخطاء التي حدثت في العراق وخطر داعش ولذلك علينا ان نتأكد أن الجيش العراقي مدرب ومجهز على نحو جيد في مواجهة التحديات». وأشار الى ان «الجيش العراقي ابتعد عن ساحات القتال ما سمح لداعش الدخول في المدن كالموصل والرئيس اوباما يدرس قدرات الجيش العراقي وقد اعلن سابقاً انه غير مستعد الآن لتدخل عسكري مباشر في العراق، لكن اذا تطلب الأمر فقد يُتخَذ بعض القرارات المهمة».
ونقلت وسائل اعلامية عن مسؤولين عراقيين قولهم إن «المالكي حث الولايات المتحدة على توجيه ضربات جوية لمواقع المسلحين في سوريا ومعسكراتهم وارتالهم»، مبينين أن كيري «رد على طلب المالكي بضرورة توخي قدر كبير من الحذر قبل شن تلك الغارات تلافياً لوقوع خسائر بين المدنيين قد تؤدي إلى انطباع بأنهم يستهدفون أهل السنة».
والتقى كيري في بغداد كلاً من وزير الخارجية هوشيار زيباري، ورئيس المجلس الاعلى السيد عمار الحكيم ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك.
وأوضح كيري، خلال لقائه رئيس البرلمان اسامة النجيفي، أن «دعم أميركا اللوجستي والأمني والعسكري مرتبط بتحقيق سياسة جديدة يجري التأكد منها»، بحسب بيان «متحدون».
وكان النجيفي، الذي يتزعم ائتلاف متحدون، أكد أن موقفه ثابت ضد «داعش» و»القاعدة»، داعياً الحكومة الروسية إلى دعم العراق في محاربة «داعش»، وذلك خلال استقباله السفير الروسي في بغداد
في هذا الوقت، حمّلت كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار الصدري أمس، كتل التحالف الوطني مسؤولية التأخر بحسم ملف تشكيل الحكومة المقبلة. وقال عضو الكتلة بهاء الاعرجي، إن «التحالف الوطني لم ينجح في عقد اجتماع له لتدارك الأوضاع الامنية والسياسية التي تمر بها البلاد منذ أيام»، مشيراً إلى أن «المرحلة الحالية تتطلب جهداً سياسياً، يوازي الجهد الأمني للخروج من الأزمة في العديد من المحافظات».
(الأخبار)