ماذا لو حصل لبنان على كميات مجانية من الفيول أويل كافية للتغذية بالتيار الكهربائي أكثر من خمس ساعات يومياً ولمدّة سنة وربما أكثر؟ المسألة لا تحتاج إلى تفكير في ظل الوضع الحالي بتغذية ساعتين يومياً أو أقلّ، ووسط وعود أميركية عمرها سنة من «الجرجرة» للموافقة على استيراد الغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا.رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي «حشره» العرض الإيراني لم يرفضه، لكن من شبه المؤكد أنه لن يجرؤ على الموافقة. «الطريقة الميقاتية» في هذه الحال معهودة: التسويف، مرة في إشاعة أنباء عن أن الفيول الإيراني غير مطابق للمواصفات، ومرة في إشاعة أجواء إيجابية كتلك التي أعلنها النائب السابق علي دروبش، المقرّب من رئيس الحكومة، أمس عن «إيجابية» لدى ميقاتي تجاه العرض «الذي يمكن أن يبصر النور إذا كان الفيول يطابق المعامل اللبنانية وفي حال كانت الهبة مجانية وغير مشروطة».

(هيثم الموسوي)

الأمر بالتأكيد ليس تقنياً يتعلق بمواصفات الفيول الإيراني الذي قد لا يكون مطابقاً للمواصفات اللبنانية، كما يصوّرها ميقاتي. بل هي درجة من المكر لا تتوافر لدى الكثير من السياسيين. فالرئيس ميقاتي استقبل السفير الإيراني الأسبوع الماضي واستمع إليه وقال له كلاماً يشير إلى موافقته الواضحة والصريحة على حصول لبنان على الفيول من إيران لتشغيل معامل الكهرباء، لكنه ما زال منذ نحو أسبوع يرفض ترجمة تعهداته بشأن آلية المتابعة والتنفيذ. ورغم أنه وعد بأن يفوّض وزير الطاقة وليد فياض متابعة الأمر مع الجهات المعنية في إيران، ولا سيما لجهة المواصفات والكميات التي يحتاجها لبنان، وسائر التفاصيل المتعلقة بهذه العملية، إلا أنه لم يفوّض أحداً بهذا الأمر بعد، لا فياض ولا غيره. بل تعامل مع الموضوع وكأنه لا يتعلق بتلبية حاجات المجتمع والاقتصاد.
لماذا لم يُفوّض فياض بعد؟ السبب في أن وزير الطاقة سيوافق وبلا أي عرقلة إدارية أو تقنية أو سياسية على الحصول على الفيول من إيران. وهو لم يعرقل سابقاً حصول تسهيلات أميركية بشأن الغاز المصري أو الكهرباء من الأردن، بل واجه عرقلة من الولايات المتحدة والبنك الدولي. لا بل إن فياض سبق ميقاتي كثيراً في اتجاه تسهيل الاتفاق مع إيران بشأن الحصول منها على الكميات اللازمة من الوقود اللازم لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء في لبنان. ففي 28 تموز الماضي أرسل كتاباً إلى السفير الإيراني محمد جلال فيروزنيا، بعنوان «متطلبات إنتاج الطاقة الكهربائية من الوقود الأحفوري في لبنان». ويشير الكتاب إلى أن حاجة لبنان من الفيول أويل، إضافة إلى حاجته إلى 1.5 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي لتشغيل معمل الزهراني. ويضيف الكتاب: «هذه الأرقام جاءت بناء على معدل استهلاك الطاقة في الأعوام المنصرمة وفي حال رغبتكم في الحصول على معلومات إضافية إبلاغنا بمضمون أسئلتكم ليصار إلى الإجابة عليها في أسرع وقت ممكن. مع شكرنا الجزيل للجمهورية الإسلامية في إيران على الاهتمام بوضع لبنان الراهن وفي تأمين تنويع مصادر الطاقة». وأرفق في هذه الرسالة مستندات فيها جداول تبيّن مواصفات الفيول أويل والغاز أويل والغاز.
يحرص ميقاتي على إشاعة أجواء إيجابية من دون اتخاذ قرار حاسم


بمعنى أوضح، الجانب الإيراني لديه المواصفات، ويعلم تماماً ما نحن بحاجة إليه ولا ينتظر إلا خطوة إيجابية فعلية من ميقاتي في اتجاه بدء إجراءات العقد. أما كل الكلام عن عدم مطابقة المواصفات، فهو كلام سياسي ينطوي على حسابات ضيقة لميقاتي وربما لقوى سياسية أخرى تقلق من التعامل مع إيران علناً. وأبرز دليل على ذلك، هو أن العقد مع الفيول العراقي قائم ويرغب لبنان في تجديده رغم أن الفيول العراقي لا يطابق المواصفات اللبنانية، بل يقوم لبنان بمقايضة الكميات غير المطابقة للمواصفات، مع كميات مطابقة للمواصفات ويدفع الكلفة من فروقات الكمية. وهذا أمر يمكن تكراره حالياً مع الفيول الإيراني إذا لم يكن مطابقاً. لكن هل المشكلة في مواصفات الفيول، أم في مواصفات رئيس الحكومة؟