لا ينبع الموقف الذي أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بقوله إن وقف إطلاق النار ليس على جدول أعمال حكومته، من موقع قوة بالضرورة، رغم أن إسرائيل هي الأقوى والأكثر تدميراً وإلحاقاً للخسائر المادية والبشرية بالفلسطينيين. يمكن تلمس إقرار إسرائيلي بإخفاق محاولة إخضاع قطاع غزة حتى الآن وفرض صيغة إسرائيلية على التفاهم المفترض معه.
ويبدو أن موقف نتنياهو موجّه في الدرجة الأولى إلى الجمهور الإسرائيلي الذي قد يبدأ قريباً التساؤل عن وجهة المعركة والمدى الزمني لها. لكن من المهم الإشارة إلى أن موقفه أتى في لقاء مع لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بالترافق مع استمرار المواجهة وإطلاق الصواريخ من غزة، وتحديداً بعد عجز سلاح الجو، رغم صغر مساحة غزة، عن إحباط الصواريخ، وهو مشهد يوحي برمته بأن تبادل النيران سيستمر خلال الأيام المقبلة.
الوتيرة الحالية من المواجهة التي اتسع نطاقها لتشمل العمق الإسرائيلي، بدأت تفرض على الجهات المعنية بصناعة القرار في تل أبيب البحث في آفاق المعركة والبديل العملياتي في حال إخفاق الأهداف الردعية. هذه الوقائع والانطباعات حضرت بقوة في الحوار الذي دار بين نتنياهو وأعضاء اللجنة، كما كشفت القناة العبرية العاشرة التي قالت إن الجلسة تمحورت حول إمكانية خوض عملية برية، ومن ناحية أخرى طبيعة الوساطات وإمكانية التوصل إلى إعلان لوقف النار.

حكومة الاحتلال
ستضع أهدافاً متواضعة يمكن تحقيقها

رغم الطابع السري للمداولات وغياب أي بيان رسمي، كشف المراسل السياسي للقناة العاشرة أن «نتنياهو غير متحفز لشن عملية برية في غزة»، وعندما سأله أحد أعضاء اللجنة عن هذا الخيار، أجاب بأن «الأمر مطروح لكن ليس هناك شيء أوتوماتيكي وفوري». لجهة وقف النار، أكد نتنياهو أنه «ليس على اتصال مع أحد الآن»، وأن هذا الأمر «غير مطروح على جدول الأعمال الآن».
ورداً على سؤال يتعلق بالأهداف السياسية للعملية العسكرية، أوضح نتنياهو أن الهدف الأساسي «وقف إطلاق الصواريخ، واستعادة قدرة الردع، والإضرار بحركة حماس بصورة كبيرة جداً». على هذا الأساس، أضاف مراسل القناة أن صانع القرار في تل أبيب لا يسعى حالياً إلى وقف النار، «بل يريد توجيه ضربات متلاحقة وموجعة لحماس كي تصل في نهاية المطاف مع الوساطات المرتقبة إلى وضع أقل فعالية وقوة عمّا كانت عليه عشية العملية العسكرية الجارية».
رغم تقليل دور الوساطة، فإن نتنياهو أجرى اتصالات مع عدد من قادة الدول في العالم، خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، وهو لقي منهم «التفهم والدعم». وأضاف أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وقف إلى جانبه، وأصدر بياناً أدان فيه إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
في المقابل، اقترح رئيس لجنة الخارجية والأمن، زئيف الكين، اتخاذ خطوات أشد في غزة، بما فيها قطع شبكة المياه والكهرباء عن غزة (الواردة من إسرائيل)، لكن نتنياهو ردّ بالقول: «المستشارون القضائيون لا يسمحون بذلك». ورغم حجم الخسائر البشرية في صفوف المدنيين في غزة، وسياسة تدمير المنازل التي يتبعها جيش الاحتلال، ادّعى نتنياهو أن إسرائيل «لا تسمح لنفسها بما تسمح به دول أخرى خلال الحرب. فنحن لا نستطيع فعل ما فعله الروس في الشيشان».
من جهته، تحدث وزير الدفاع موشيه يعلون عن «إنجازات ملموسة» حققها جيشه منذ بدء عملية «الجرف الصامد»، وأنه سيواصل ضرب حماس وغيرها من المنظمات إلى «أن تدرك حجم الثمن الذي تدفعه مقابل استمرار التصعيد والقصف الصاروخي للأراضي الإسرائيلية». على الموجة نفسها، رأى وزير المالية ورئيس حزب «يوجد مستقبل»، يائير لابيد، أنه «لا يوجد موعد لنهاية مكافحة الإرهاب»، لافتاً إلى وجود صعوبة في القضاء عليه. وعقّب لابيد: «دائماً سيبقى هنا ثلاثة أشخاص مع منصة إطلاق»، مشيراً هو الآخر إلى أن معادلة «هدوء مقابل هدوء» لم تعد مطروحة على جدول الأعمال، وأن خيار العملية البرية مطروح على الطاولة.
في ما يتعلق بقدرة الردع الإسرائيلية، نبّه لابيد أيضاً إلى أن هذا المفهوم مجرّد، «وجزءاً منه نفسي»، في إشارة إلى أنه نسبي وقابل للتغيير في أي لحظة. مع ذلك، قال لابيد إن المجلس الوزاري المصغر انطلق من فرضية «أنه سيسقط لدينا خسائر، ومن ليس مستعداً لذلك لا يخرج إلى المعركة». وأكد أنه «إذا لم توقف حماس النار، حيئنذ ستصبح العملية البرية محتملة».
وفي تقدير مستشار الأمن القومي السابق، اللواء يعقوب عميدرور، أن الوقف الكامل للصواريخ لن يكون إلا بـ«سيطرة الجيش على كامل القطاع»، مضيفاً أن «عملية اجتياح غزة لا تتطلب أكثر من 13 يوماً ولا تحتاج إلى مدة طويلة».
في السياق نفسه، ذكرت القناة السابعة، التابعة للمستوطنين، أن رئيس أركان الجيش بني غانتس صدّق على جميع الخطط الخاصة بتنفيذ عملية برية في غزة. وأضافت القناة، نقلاً عن المتحدث باسم الجيش، موتي الموز، قوله، إنه «خلال الساعات المقبلة سيزيد الجيش ضغطه على حماس عبر توسيع الضربات الجوية».
العجز الإسرائيلي عن إحباط تواصل إطلاق الصواريخ، في بداية المعركة أو سياقها، تناوله المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، اليكس فيشمان، بتأكيد أن إسرائيل «لم تدخل المعركة في أفضل وضع من الناحية الاستخبارية»، مشيراً إلى أنه لا يوجد، حتى الآن، ما يدل على حدوث تراجع في قوة «حماس» العسكرية. لكن فيشمان استدرك: «يجري العمل على تجيمع معلومات استخبارية على مدار الساعة لتحديد أهداف جديدة».
على ضوء ذلك، تقترب إسرائيل من اتخاذ قرار بشأن «العملية البرية» في غزة. ورأى فيشمان أنه بناءً على معرفته بنتنياهو ويعلون وغانتس، فإنهم «لا يسعون إلى مغامرة»، لذلك «عندما يتقرر تنفيذ عملية برية لن يكون ذلك لاحتلال القطاع والقضاء على حماس، بل سيكتفون بأهداف متواضعة يمكن تحقيقها». وأكمل: «من بين هذه الأهداف تقليص عدد الصواريخ، وضرب منظومات استراتيجية لحماس يصعب استهدافها من الجو».
ورأى المعلق العسكري أنه «في اللحظة التي ينتهي فيها سلاح الطيران من بنك الأهداف النوعية، ولم يتوقف إطلاق الصواريخ تجاه الوسط والشمال، لن يكون هناك مناص من إدخال قوات برية»، مشيراً إلى أن هيئات جمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها «تعمل على مدار الساعة لتحديد أهداف جديدة لسلاح الطيران. بناءً على ذلك «ربما يتراجع إطلاق الصواريخ ونتجنّب إدخال قوات برية ضخمة إلى القطاع، مع الاكتفاء بعمليات موضعية محدودة». ولفت فيشمان أخيراً إلى أن المعركة ستستمر لأسبوع على الاقل، مضيفاً: «تجربة الماضي تشير إلى أنه في هذا الزمن تقع الأخطاء التي تسقط قتلى أبرياء وتجلب ضغوطاً دولية».