غزة | يرقد نور الدين حمد (4 سنوات) على سرير العلاج في مستشفى الشفاء الطبي في غزة. ما إن يُسأل الطفل عن مكان والدته حتى يجيب بلا تفكير: «في الدار». كذلك يفعل عند سؤاله عن مكان أبيه. نور لم يكن يكذب، فوالده ووالدته ليسا بجانبه في الغرفة. فتش عليهما ولم يجدهما. أين سيكونان سوى «في الدار»؟ آخر مرة رأى الطفل فيها والديه كانت في باحة المنزل وهم جالسون مع أقربائهم في ليلةٍ من ليالي رمضان يتسامرون.
نور لا يعلم بعد أنه سيعود إلى «الدار» لكنه لن يجد والدته أو والده، لأن إسرائيل قررت، بطائراتها الحربية وعتادتها العسكري، أن تنتزع من الطفل حضن عائلته. ففي ليلةٍ من ليالي الجنون الإسرائيلي، أطلقت طائراتها الحربية ثلاثة صواريخ على منزل العائلة، مخترقةً جلستهم وحياتهم، ومستقبل من بقي منهم. أطلقت صواريخها فوضعت حداً لحياة الأم والأب وجلّ أفراد العائلة، وحولتهم إلى أشلاء على جدران «الدار». لم يبقَ أحد من العائلة سوى نور الدين وابن عمه كنان، والأخير يرقد على سرير مجاور لسرير نور. ربما من حسن حظ الولدين بقاء جدتهما التي تتوسطهما في الغرفة. عينا الجدة لم تكف عن ذرف الدموع على أبنائها الذين غابوا فجأة. المرأة المسنّة لم تعِ ما حدث، ولم تدرك كيف أصبحت وحدها، هنا، إلى جانب الطفلين اللذين أصبحا في ليلةٍ ما، يتيمين.

استشهد من عائلة
حمد 6 أفراد وبقي طفلان وجدة ترعاهما

لن يذهب نور الدين وكنان مع ذويهما إلى السوق لابتياع ملابس العيد أو الألعاب التي تمثل أحد الأسباب القليلة لبهجتهما. كلما تذكرت الجدة ذلك، تنوح على الطفلين وحالها. تحاول النسوة الجالسات بقربها تهدئتها، وحاولنا أن نسألها عما حدث. تحبس السيدة غصتها، محاولةً استجماع قواها لتقول: «كنا جالسين في المنزل، ثم فاجأتنا ثلاثة صواريخ، من دون أن يسبقها صاروخ التحذير الذي يتحدثون عنه».
تصمت قليلاً، وتجفف دموعها التي بللت وجهها، ثم تتابع بصوتٍ مختنق: «وينه صاروخ التحذير؟ حسبنا الله فيكي يا إسرائيل وفي كل من نصرك وحماكِ».
أما نور، فلا يذكر سوى «كرة كبيرة صفراء نزلت من السماء». يقول هذه الكلمات، ثم يصرخ باكياً منادياً والدته: «بدي ماما». صراخ الطفل هزّ جدران المستشفى، ليبكي معه كل من كان موجوداً في الغرفة.
المشهد ليس جديداً؛ مئات الأطفال في غزة إذا لم يقتلوا في القصف، ينادون على أمهاتهم ولا يجدون مجيباً. منزل حمد نفسه تعرّض للقصف عام 2012. آنذاك، جرت مجزرة أخرى بجوارهم قتل فيها 20 فلسطينياً، 18 من آل العثامنة، بينهم ثمانية أطفال، ما جعل المجزرة تسمى «قانا الفلسطينية». اليوم، يبكي محمد العثامنة (19 عاماً) جيرانه بحرقة. الشاب رأى بعينه أشلاء أصدقائه الذين وقفوا بجانبه حين استشهد أفراد عائلته. يتساءل محمد: «لماذا على هذين الطفلين أن يعيشا حياةً صعبة دون والديهما؟».
وكان كل من حافظ حمد (30 عاماً) وووالدته فوزية (62)، وزوجته سهى (25)، وكل من شقيقيه إبراهيم (26) ومهدي (46) وابنة أخيه دنيا (16)، استشهدوا فور استهداف الاحتلال منزلهم بثلاثة صواريخ، فيما نقل الطفلان كنان ونور الدين إلى المستشفى بعد إصابتهما.