غزة | أثار فتح بوابة معبر رفح أمام الوفد الإماراتي الطبي، دون غيره من القوافل المتضامنة مع الشعب الفلسطيني في ظل الحرب الجارية، جدلاً واسعاً في قطاع غزة، خصوصاً لدى الناشطين الذين شككوا في نية الوفد، وأرجعوا تسهيل مهمة دخوله القطاع إلى أسباب سياسية وأمنية، خاصة أن المرافق لهذا الوفد كان القيادي في حركة فتح سفيان أبو زايدة الذي فصل من الحركة على خلفية علاقته مع القيادي المفصول أيضاً محمد دحلان المقيم في الإمارات.
وراح بعض الناشطين ينشرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لضابط إماراتي يرتدي اللباس التقليدي لدولته خلال مرافقته الفريق الطبي، مشكّكين في أهداف الفريق، وتساءلوا في الوقت نفسه عن أسباب سماح السلطات المصرية بدخول هذا الوفد ومنع وفود من دول أخرى. أول من أمس ليلاً شاع خبر في الشارع الغزي أن الفريق الطبي هرب على وجه السرعة من دون أن يبلغ أحداً، بعد «انكشاف أمره بأنه جاء لتعقّب إطلاق الصواريخ المحلية تجاه البلدات المحتلة عام 1948 ومعرفة وضع المقاومة الحقيقي على الأرض والتفاعل الشعبي معها». وهمست بعض العناصر المحسوبة على حركة «حماس» في غزة إلى ارتباط محمد دحلان الذي يشغل الآن منصب المستشار الأمني لوليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ودوره البارز في إيفاد الفريق الطبي الذي قيل إنه يتبع جهاز المخابرات في دولته.
وبنى المحسوبون على «حماس» اتهاماتهم على الدور الذي لعبه من وصفوه بـ«ذراع دحلان» في غزة، أبو زايدة، الذي أشرف شخصياً على ترتيبات استقبال الوفد، ورافقه خلال زيارته التي استمرت عدة ساعات في غزة، وضع خلالها مستشفى ميداني في منطقة دير البلح في المحافظة الوسطى من القطاع.
على ضوء ما سبق، تواصلت «الأخبار» مع مصادر أمنية رفيعة في غزة، فردّت بالقول إن الوفود الطبية التي تأتي إلى غزة تخرج عادةً من رحم وزارة الداخلية في بلدانها، «لهذا لا ننفي صلة الوفد الإماراتي بمخابرات بلده، لكننا لا نشكك في مهمته التي كانت محدودة ومنسقة مسبقاً مع الجهاز الحكومي في القطاع». وعبّرت هذه المصادر عن ترحيبها بالوفود الداعمة للشعب الفلسطيني في محنته، لكنها لم تنف أن تكون إقامة المستشفى الميداني «نقطة أمنية لهدف معين».
وأضافت: «ليس هناك داع لتهويل مهمة الوفد الخفية، فالاحتلال ليس بحاجة إلى أن يستقطب أحداً من الخارج لمساعدته في غزة، خصوصاً أنه يعتمد على العملاء في الميدان وطائرات الاستطلاع في الجو».
وربط بعض الناشطين بين ما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» في السادس عشر من تموز الجاري عن «وجود وحدات نخبة في غزة تعمل منذ تسعة أيام وساهمت في المساعدة في تنفيذ عشرين هجمة عسكرية على بيوت وأهداف تابعة لحماس»، وبين مهمة الوفد الزائر.
واستدعى اللغط القائم بشأن مهمة الفريق الإماراتي من أبو زايدة أن يكاشف الرأي العام بحقيقة زيارة الوفد إلى غزة باستفاضة، وذلك عبر صفحته على موقع «فايسبوك»، رافضاً التصريح عبر الهاتف بأكثر مما ذكره هناك. وقال أبو زايدة: «منذ بدء العدوان قررت الإمارات تقديم دعم سريع وعاجل لغزة»، وبناءً على ما سمّاها «نصائح فلسطينية»، تقرر «إقامة مستشفى ميداني وتقديم مساعدات عاجلة للمنكوبين والمهجرين وعائلات الشهداء والجرحى». وأشار إلى تنسيق الإمارات مع مصر لدخول الوفد ومعه المستشفى الميداني «كما كان يجري في الحروب السابقة التي كانت تستدعي دخول متضامنين، من بينهم رئيس الوزراء المصري السابق هشام قنديل، لذلك ليس هناك أي جديد أو غريب في وصول وفد إماراتي أثناء الحرب على غزة».
القيادي الفتحاوي أكد أن الوفد لم يبرح موقع العمل في دير البلح خلال ساعات وجوده، مشدداً على أن وزارة الصحة هي التي حددت مكان إقامة المستشفى. ولمّح في الوقت نفسه إلى علم قيادة «حماس» في غزة والخارج بتفاصيل زيارة الوفد الطبي، مبيّناً أن الظروف الأمنية الصعبة واشتداد حالة القصف على القطاع دفعا الفريق إلى المغادرة «التي لم تكن مفاجئة»، معقّباً: «هذه إشاعات أعرف شخصياً مصدرها وأعرف كثيرين ممن يرددونها». ويرى أبو زايدة أن من يردد الشائعات المتعلقة بالوفد «سقط في فخ الحسابات الإقليمية»، متّهماً قطر وقناة «الجزيرة» على وجه الخصوص بترويج مهمة الوفد على أنها «استخبارية». وتساءل القيادي الفتحاوي عن جدوى المهمة الاستخبارية التي من الممكن للوفد فعلها.
ولا يزال بعض المراقبين يرون تناقضاً واضحاً بين موقفي الإمارات السياسي والإنساني حيال ما يجري في غزة، إذ تشير خريطة التحالفات التي أعيد تشكيلها مجدداً على ضوء الحرب أن الإمارات تنحاز إلى مصلحة مصر والسعودية بشأن ضرورة إلزام «حماس» بوقف إطلاق النار من دون شروط، على عكس الموقف التركي والقطري. ويقول المراقبون إن أبو ظبي التي تعادي جماعة الإخوان المسلمين، التي تنضوي «حماس» ضمنها، من مصلحتها القضاء على آخر معاقل الجماعة في غزة، لذلك لا يمكن تفسير موقفها الإنساني المتعلق بإرسال معونات طبية وإقامة مستشفى ميداني لمساعدة جرحى العدوان في هذا الإطار.
ويتقاطع ذلك مع دعوة رئيس حزب «كاديما» وعضو الكنيست شاؤول موفاز إلى تخصيص دور لكل من السعودية والإمارات في تجريد «حماس» من صواريخها ونزع سلاح المقاومة في غزة.