غزة| مع إعلان المتحدث باسم كتائب القسام (حماس) أبو عبيدة أسر الجندي شاؤول أرون، بدأت ملامح الحرب تنقلب في شوارع غزة، فصدحت الأصوات عن الأسطح ومن شبابيك البيوت، وتعالت نداءات التكبير من المساجد كلها موحدةً كأنها صلاة العيد.
قبل نحو ثمانية أعوام استقبل الغزيون خبر خطف الجندي جلعاد شاليط بتوتر، خوفاً من أن يسبب أضراراً كثيرة للغزيين، لكن لم يدرك أحد آنذاك قيمة وجود جندي إسرائيلي لدى المقاومة، فبعد أسره بخمس سنوات، أخرج صفقة تبادل به المئات من الأسرى إلى الحرية، وأدخلت الفرح إلى مئات العائلات التي انتظرت الإفراج عن أبنائها. منذ ذلك الوقت، يتعطش الفلسطينيون في الضفة أو غزة لأسر أي جندي يعيد ابتسامات عائلات كثيرة تنتظر أبناءها بفارغ الصبر.
لم يستطع أهالي القدس أن
يحتفلوا كما باقي الفلسطينيين

احتفالات ليلة الأحد جالت في الشوارع والحارات، فكان لكل منطقة احتفالها الخاص. في منطقة الشيخ رضوان، أخرجت أم نضال عوادة وهي مرتدية الثوب التراثي الفلسطيني، أولادها إلى الشارع لتوزيع الحلوى. وتقول لـ«الأخبار»: «اليوم، كل أم أسير فلسطيني تبتهج لسماع هذا الخبر وتفرح لأنها تؤمن بأن ابنها سيخرج إن شاء الله، وإن لم يخرج، فهنالك أمٌ أخرى ستفرح غيري». وأكملت أم نضال سيرها نحو الشارع رافعة يديها بالدعاء للمقاومة.
مجمّع مستشفى الشفاء في غزة، الشاهد على دماء الشهداء والإصابات، تغيرت ملامح الموجودين به في لحظة واحدة. فمع إعلان خبر الأسر، بدأ عناصر الشرطة والطواقم الطبية تبادل القبل، وزفّوا البشرى للمصابين داخل غرفهم، ليرسموا الفرحة على وجوههم.
لم تتوقف الاحتفالات في الشفاء، بل استمرت مع قدوم العائلات التي نزحت من حي الشجاعية والشمال، لتعيش الفرحة وسط تهليل وهتافات داخل المستشفى.
وراح المواطن محمود السحباني الموجود في المستشفى يكبر ويهلل، ويقبّل أخيه الجريح ويقول له: «مبروك، المقاومة أخذت لك حقك»، مطالباً المقاومة بألا تسلم الجندي المأسور دون تحقيق مطالب الفلسطينيين وتحرير الأسرى.
على هذه المناشدة، علق القيادي في حركة «حماس» سامي أبو زهري بالقول: «هذه البشرى لن تكون الأخيرة، فقد وعدنا شعبنا بأن نؤلم هذا العدو على جرائمه بحق أبنائنا وأطفالنا ونسائنا، وها هي النتيجة بين أيديكم»، وأضاف لـ«الأخبار»: «هذه حرب تحرير بالنسبة إلينا، ولن يوقف إطلاق النار ما لم تتحقق مطالبنا جميعاً».
أما مناطق الشمال والشرق المنكوب، فكانت لها حصتها من الفرحة، إذ احتفلت المناطق القريبة من حي الشجاعية بالخبر، وقدم السكان الحلوى في المدارس التي لجأ إليها النازحون. كذلك، عاشت مناطق الشمال الفرحة، وهلل سكانها المتجمعون في المساجد التي لجأوا إليها من بيوتهم المهددة.
وأكد القيادي في «حماس»، فوزي برهوم، أن هذا الأسر سيغير موازين المعادلة، «وسيسكت تماماً أصوات من كانوا يتهمون المقاومة بأنها تتاجر بشعبها». وقال لـ«الأخبار»: «نستمد قوتنا من التفاف الناس حولنا، وهذا ما يقلق العدو». ووصف النائب في المجلس التشريعي، مشير المصري، ما جرى بـ«الانتصار المبين» للشهداء. ولفت في حديث مع «الأخبار» إلى أن لدى المقاومة الكثير من المفاجآت، «وإسرائيل تعلم ذلك جيداً، والأيام ستكشف عن هذه المفاجآت».
احتفالات الضفة المحتلة كانت لها نكهة خاصة. ففي الخليل، خرجت العائلات في كل شارع مسرعةً إلى أقرب ساحة لتلتقي مع غيرها من العائلات، ويقول الشاب أحمد أبو عرقوب من منطقة دورا الخليل: «مع إعلان عملية الأسر، أحضر الشباب الألعاب النارية والحلوى».
أما القدس، فلم تخرج فيها الكثير من العائلات إلى الساحات تفادياً لهجمات شرطة الاحتلال وإرهاب المستوطنين، واكتفت بالتكبيرات داخل بيوتها، واضعة الزينة على الشبابيك. وتقول الصحافية أنسام خليل من القدس: «قامت الكثير من العائلات داخل أحياء مدينة القدس بتبادل التهاني والزيارات لتبادل الفرحة داخل البيوت». وقالت إن بعض المستوطنين ألقوا القمامة على أبواب المنازل وعلى الشباب، وتوعدوهم بالانتقام».
الكاتب مصطفى اللداوي قال إن عملية الاختطاف «بلسمت جراح كثير من العائلات الفلسطينية المنكوبة. كان الخبر قنبلة، ومفاجأة هزت حكومة الكيان، وأربكت رئيسها بنيامين نتنياهو الذي كان قلقاً، خشية أن تنجح المقاومة الفلسطينية في أسر أحد جنوده فتذله وتهينه». وأضاف اللداوي في أحد مقالاته: «سيحدث مع نتنياهو كما حدث مع سلفه إيهود أولمرت، الذي كتب جلعاد شاليط آخر سطور في حياته السياسية، وأجبره بعد عدوانه على غزة على التخلي عن منصبه في رئاسة الحكومة، ليدخل بعدها في متاهة الفضائح، ويتورط في مسار تحقيقات ومحاكماتٍ قضائية أدانته وسجنته».