«همروجة» جديدة تجتاح مدينة عدن التي بات تنظيما «القاعدة» و«داعش» على رأس القوى النافذة فيها. وجوه العدوان ورجالاته تكثف ترويجها لحملة أمنية ثانية تستهدف استعادة الاستقرار في المدينة المليئة بالاضطرابات. بحسب وزير داخلية الرئيس الفار، حسين عرب، فإن أعضاء الحكومة المستقيلة سيعودون بأجمعهم إلى ما سمّاها «العاصمة المؤقتة» لممارسة مهماتهم. ينضم هؤلاء إلى رئيس الحكومة المستقيل خالد بحاح الذي يسرّع اجتماعاته أملاً في الدفع قدماً بالخطة المفترضة.وأول من أمس، التقى الرجل وزير داخليته في عدن، حيث حضّ على «تقليص مركزية الأجهزة الأمنية ورفع وتيرة أدائها ومنح الصلاحيات الكاملة للسلطات المحلية». وقبل أيام أيضاً، التقى نائب الرئيس الفار، بحاح، محافظ عدن عيدروس الزبيدي، ومدير أمنها شلال علي شائع، وقادة القوات السعودية والإماراتية والبحرينية والسودانية.
هذا اللقاء سبقه اجتماع شهدته المدينة بين قيادات في «الحراك الجنوبي» من جهة، وأخرى من «قوات هادي» من جهة أخرى، برعاية القوات الإماراتية. كذلك سبقت خطوةَ بحاح الأخيرةَ جلسةٌ لـ«مجلس المقاومة الجنوبية» الذي يتزعمه وزير الشباب والرياضة في الحكومة المستقيلة نائف البكري. الجامع ما بين كل تلك الفعاليات تشديدها على «ملاحقة العناصر التخريبية والإرهابية ومداهمة أوكار الخلايا والوقوف بوجه المظاهر المسلحة وإعادة العمل بمؤسسات الدولة»، فضلاً عن «استيعاب مقاتلي المقاومة في الأجهزة الأمنية والعسكرية»، طبقاً لنصوص البيانات الصادرة عن المجتمعين.
تثير الأعمال الإرهابية في عدن تساؤلات عن قدرة الإماراتيين على الإمساك بمفاصل الأمن

خطوات الحكومة المستقيلة المستعجلة ترافقت مع بدء إجراءات عملياتية لا يبدو إلى الآن أنها ستكون بالمستوى الكفيل بلملمة الجماعات المتحاربة وهزيمة التنظيمات الإرهابية. وفق المعلومات الأولية الواردة من الميدان، وصلت قوات عسكرية إضافية من دول تحالف العدوان إلى ميناء الزيت في البريقة، معززةً بعشرات الأطقم والمدرعات. وأشارت المعلومات إلى انتشار آليات وأطقم أمنية ونصب نقاط تفتيش على الخط الساحلي وخط الجسر البحري وخط عدن ــ تعز وطريق البساتين وشارع التسعين. إجراءات يفترض أن تتوسع خلال الأيام المقبلة لتشمل "الجولات" والشوارع الرئيسة ومحيط المرافق والمؤسسات الحكومية في مديريات كريتر والتواهي والقلوعة والمعلا وخور مكسر والعريش. ويفترض كذلك، بموجب الخطة الإماراتية، التسريع في دمج مقاتلي «المقاومة الشعبية» بما يقال إنها أجهزة أمنية وعسكرية موالية «للشرعية».
وفي آخر المعطيات المتصلة بالتدابير الإماراتية في عدن، أفيد عن إعلان السلطات المحلية حظر تنقل المركبات بين مديريات المحافظة في ساعات الليل. هذه المحظورات ينتظر أن تعقبها سلسلة عمليات تستهدف تقسيم المدينة على شكل مربعات مغلقة. وبمقتضى التسريبات الرائجة في الأوساط الجنوبية، تمتد خطة الامارات لنحو مئة يوم، يغادر خلالها هادي إلى الرياض ليحل محله نائبه خالد بحاح. استبدال علّله المتحدث باسم الحكومة المستقيلة، راجح بادي، بالقول إنه «لا يعقل وجود هادي وبحاح في مكان واحد في ظل الظروف الراهنة». إلا أن الوقائع السياسية والأمنية تفيد بنوع من التفويض السعودي لأبو ظبي لإدارة الملفات المرتبطة بعدن، خصوصاً أن الحديث يدور حول إشراف أميركي على الخطة الإماراتية.
في كل الأحوال، لا يظهر أن ما يصبو إليه «التحالف» والسلطات التابعة له في عدن سيتحقق على نحو سريع ونظيف، أقله في المدى المنظور. تبرر الخلاصة المتقدمة جملة معطيات، لعل أبرزها ما يأتي: في شهر أيلول الماضي، أعلنت ما تسمى «اللجنة الأمنية» في المدينة خطتها الأولى «لتطبيع الحياة في عدن». حينذاك، كان السهم الأعلى من التصميم للإماراتيين. كذلك، سرت الأنباء وقتها عن إشراف ضباط من الإمارات على عملية إعادة تأهيل مراكز الشرطة بشكل متكامل، إضافة إلى تدريب القوى البشرية في السلك الأمني «من أجل تأدية المهام بالشكل المطلوب».
أكثر مما سلف، بدأ الكلام في تلك الفترة عن إنشاء قوات لـ«مكافحة الإرهاب» وتعيين قائد جديد لها، علاوةً على نشر صواريخ «باتريوت» لاعتراض أي استهداف صاروخي للمواقع والمناطق الاستراتيجية، وتحصين المدينة بمنظومة أمنية تعتمد على التكنولوجيا العسكرية الحديثة. وازى الإعلانَ عن إنشاء غرفة عمليات في قيادة المحافظة على نسق نظام الاتصال في شرطة الإمارات، تعيينُ شخصية عسكرية هي اللواء جعفر محمد سعد في منصب محافظ عدن. تعيينٌ صاحبه انتشار قوات سعودية وإماراتية إضافية عند مداخل عدن ومخارجها، إلى جانب منشآتها الحيوية، خصوصاً منها المطار الدولي.
مرت الأشهر ولم تبلغ الخطة الأولى أياً من أهدافها، استمرت الاضطرابات الأمنية بالتصاعد متخذةً أشكالاً أكثر خطورة، في وقت توسعت فيه رقعة سيطرة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» على حساب القوات الموالية للتحالف السعودي.
اليوم، لا تبدو فرص نجاح الخطة الإماراتية الثانية أوفر من تلك التي تأمنت لسابقتها. تنظيم «داعش» يكثف هجماته في عدن، باعثاً برسائل دموية في أكثر من اتجاه. يوم الخميس الماضي، استهدفت سيارة مفخخة البوابة الخارجية المؤدية إلى قصر الرئاسة في المعاشيق، ما أدى إلى مقتل 11 شخصاً وإصابة 25 آخرين. على الأثر، أعلن «داعش» مسؤوليته عن العملية، واصفاً في بيان له هادي بـ«طاغوت اليمن المرتد»، ومتوعداً إياه «وطواغيت اليمن بأيام سود وملاحم عظام».
أقل من 24 ساعة فقط وكان الهجوم الانتحاري التالي. سيارة مفخخة اجتاحت النقطة الأمنية الواقعة في عقبة عدن مساء الجمعة، وأوقعت قتلى وجرحى، بينهم عناصر ممّا توصف بـ«الشرطة النسائية». بادر «داعش» بسرعة إلى تبنّي الواقعة، لافتاً إلى أن منفذها هو المدعو أويس العدني، ومهدّداً «المرتدين بأيام سود وقادم أدهى وأمر». انقضى نهار السبت لا أكثر وحل مساؤه، حتى اختطف مسلحون القيادي الكبير في «المقاومة» وعضو المجلس المحلي في مديرية البريقة وإمام وخطيب مسجد ابن القيم، الشيخ السلفي سمحان العريقي، المعروف بـ«الراوي»، قبل أن يقتلوه ويرموا جثته في «جولة سوزوكي» بمديرية الشيخ عثمان. قِتلة ترسم علامات استفهام متضخمة حول قدرة الضباط الإماراتيين و«الجنوبيين» العاملين تحت إمرتهم على الإمساك بمفاصل الأمن في عدن.
العلامات نفسها تخطها الانقسامات المستديمة بين رجالات العدوان. فبالتوازي مع إماطة اللثام عن «الخطة الإماراتية لتأمين عدن»، أعلن رئيس «جهاز الأمن القومي» علي حسن الأحمدي استقالته من منصبه. المصادر المقرّبة من الأحمدي لم تفصح عن سبب استقالته، غير أن الأنباء المتداولة أكدت وجود خلافات كبيرة بين الرجل الذي شغل منصبه منذ شهر أيلول 2012 وبين حكومة هادي، إذ إن شكاوى محافظ شبوة السابق من عدم توافر إمكانات العمل لجهازه ومن تركه مكشوفاً أمام العناصر الإرهابيين لم تلقَ آذاناً صاغية. لامبالاةٌ تسبّبت في تراكم الجليد بين الجانبين، حتى جاء استبعاد الأحمدي من اجتماع بحاح بكبار القيادات في عدن، ليكون القشة التي قصمت ظهر البعير.
وربما بدأ الظهر الشعبي والرسمي الذي استند إليه محافظ عدن ومدير أمنها، ومن خلفهما الإماراتيون، لتدعيم خطواتهم، يتعرض لانزلاقات قد تؤدي إلى انفراطه كلياً. المحافظون المعيّنون من قبل هادي في مختلف محافظات جنوبي اليمن يُظهِّرون تباعاً امتعاضهم من «إهمال التحالف السعودي لمتطلباتهم الأمنية». فنهايةَ الأسبوع الفائت، لوّح محافظ لحج الجديد، ناصر الخبجي، بتقديم استقالته ما لم تبادر «الحكومة الشرعية إلى دعم سلطته بالمساعدات المالية واللوجستية». ولازم هذا التلويح صدور بيان شديد اللهجة عمّا تسمى «قيادة المقاومة في جبهة كرش»، اتهم «الجهات المعنية في عدن بالانقلاب على وعودها والتخلي عن مسؤولياتها»، مشيراً إلى أن «مقاتلينا لا يجدون ما يسدّون به رمق بطونهم، لذا فلسنا مقاولين معكم للذهاب إلى تعز». وفيما يرتسم المشهد في المحافظات الجنوبية على هذا النحو، يغدو بحث التحالف السعودي عن الأمن في عدن أشبه ما يكون بالتنقيب عن إبرة داخل كومة قش.




... «حلم» الانفصال يُبعث في حضرموت؟
برز في الساعات القليلة الماضية، في حضرموت، تطور جلل، تمثل في إعلان «حلف قبائل حضرموت» توجهه لعقد «المؤتمر الحضرمي الجامع بهدف الخروج برؤية جامعة وشاملة لما يرتجيه الإنسان الحضرمي». الأخطر في بيان الحلف قوله «إن المؤتمر أشبه ما يكون بحلم حضرموت، وإن حضرموت حضارة ومكانة ستعود». هذا الموقف يؤشر إلى انبعاث المطامح القديمة لانفصال المحافظة الأكبر على مستوى اليمن، بل والسعي العملي في تحقيق ذلك.