لم يكد الشاب محمد الداية يتخطّى ألم المجزرة التي ألمّت بعائلته عام 2009، حتى أعادته آلة الحرب الإسرائيلية بالذاكرة إلى تلك الأيام، مع استهداف طائراتها منزله خلال العدوان الجاري على قطاع غزة. في ساعات الفجر الأولى من السادس من كانون الثاني 2009، أطلقت طائرات الاحتلال صواريخها على عائلة الداية المقيمة في حي الزيتون شرقي مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد 24 شخصاً من العائلة، إضافة إلى إصابة آخرين.

من بين الناجين كان محمد، الذي فقد زوجته وأطفاله الأربعة قمر وأماني وأريج ويوسف، لكن إرادة الحياة كانت أقوى، فتزوّج مرة ثانية وأنجب أربعة أطفال أطلق عليهم أسماء أطفاله الذين استشهدوا قبل ست سنوات.
يقول محمد لـ«الأخبار»: «أعدنا بناء المنزل الذي دمّر على رؤوس عائلتي، ثم حاولت إعادة الحياة، فتزوّجت وسميت أبنائي على أسماء الذين استشهدوا في تلك المجزرة المرعبة». محمد يعيش حالياً كابوس الخوف من فقدان أطفاله مرة أخرى.
ويقول: «أخاف عليهم كثيراً، فالاحتلال يحاول سلبهم مني مرة أخرى».
هذه المرة أصيب أفراد من عائلته بعد استهداف منزله بصاروخ من طائرة من دون طيار.
ويعود إلى هذه اللحظة بالقول: «كنت مع أبنائي في الصالة، فإذا بالبيت يهتزّ بعنف مع دوي انفجار قوي».
للحظات، تذّكر محمد ما حلّ بعائلته سابقاً. الارتجاجات وصوت الانفجار أعادت شريط ذاكرة حاول مراراً وتكرارا نسيانه. وهو حتى هذه اللحظة لا يعلم كيف تمكّن من حمل أبنائه الأربعة والهروب مع زوجته من المنزل، وبعدها بثوانٍ، قصفت طائرات الاحتلال المنزل بثلاثة صواريخ دمرته كليا. وأدت قوة الانفجار إلى سقوط محمد على الأرض وإصابته مع أطفاله بجروح متوسطة.
«كنت أتحسّس أبنائي لحظتها، وأنادي عليهم وعلى زوجتي، وتناسيت جروحي عندما ردّ الجميع»، يقول محمد. هو الآن قيد العلاج من الإصابات التي أصيب بها وكذلك أفراد عائلته. وسيضطر إلى الخضوع لعلاج نفسي طويل للتخلص من الآثار التي سببتها له هذه الحادثة، لأنه لم يعد أصلا إلى حياته الطبيعية بعد عام 2009.
يختتم الداية: «عشت أياما صعبة بعد الاستهداف الأول، فاضطررت إلى اللجوء إلى الحبوب المنومة وحبوب الاكتئاب، وبرغم أن الله رزقني أبناء آخرين، فإنني حتى اليوم أزور قبور أبنائي الذين استشهدوا، وأتذكر كل المواقف التي عشتها معهم، لا أعلم كيف سأتخطى ما حدث لي في هذه الحرب؟».