غزة | أبطال هذه الحكاية جزائريون استشهدوا على أرض فلسطين. لا حدود تربط بلد المليون شهيد بغزة. غير أن الإيمان بالشهادة وبالمقاومة أبرز ما يجمع أبناء الجزائر بالفلسطينيين. عبد الله ونجاح الدراجي، الجزائريا الأصل، لم يشيحا بوجهيهما يوماً عن أرض غزة. وجهان لفحهما مراراً نسيم رفح، حيث كانا يقطنان، إلى أن احتضنت دماءهما بعدما سقطا شهيدين على أرضها. عائلة الدراجي تقطن القطاع منذ سنين طويلة، حتى بات هؤلاء ممتلئين بغزة تماماً مثل أبنائها، حتى أبت إلا أن تضحي بحياة بعض أفرادها على أرضها المرتوية بدماء الغزيين.
قبل نحو أسبوع، كتب عبد الله ونجاح حكاية بطولة بدمائهما، حين قذف الاحتلال صاروخه الممتلئ بالكره على منزل العائلة في محافظة رفح، وحوّله إلى أكوام من الركام.
جاد كل من الابن عبد الله يوسف الدراجي (3 أعوام) والجدة نجاح سعد الدين الدراجي بدمائهما، فيما وقع عشرة من العائلة في عداد المصابين. حُمل الشهيدان على أكتاف الغزيين، بعدما غطّى العلمان الجزائري والفلسطيني جثتيهما. غفت والدة عبد الله على كفن ابنها والدموع تنهمر على وجنتيها، وكأنّها مختمرة برائحة دمه. قبل أن يوارى الشهيدان في مقبرة شهداء رفح، إلى جانب عدد من الشهداء الغزيين.
وعلى الرغم من مناشدة الممثلية الجزائرية رعاياها بضرورة مغادرة القطاع، رفضت عائلة الدراجي أن تحزم أمتعتها لتخرج من غزة، بل أصرّت على عيش الحرب بكل أثمانها، حتى إن كانت هذه الأثمان أرواحهم.


والد الدراجي:
عزائي أنهما شهيدان سقطا فداءً لفلسطين وللمقاومة

يقول والد الشهيد في حديثه إلى «الأخبار» إن «المصاب كبير بفقدان ابني ووالدتي، لكن عزائي الوحيد أنهما شهيدان سقطا فداءً لفلسطين ولهذه المقاومة الجسورة»، ويضيف «صحيح أنني جزائري الأصل، لكن انتمائي لفلسطين لا حدود له». ويشرح والد عبد الله أن السفارة الجزائرية في مصر عرضت إجلاء العائلة ضمن الدفعة الأولى للعائلات الجزائرية الـ 15 التي تم إجلاؤها منذ قرابة أسبوعين «لكننا رفضنا وفضلنا الصمود في منزلنا ليكون ثمن ذلك روح ابني وأمي».
ومن الجزائر إلى ألمانيا، مصير العائلات يبدو واحداً، لكن الفارق هنا يكمن في أن ألمانيا لم يرف لها جفن تجاه إيغال الاحتلال الإسرائيلي في دم عائلة الكيلاني التي تحمل الجنسية الألمانية. ألمانيا التي شرعنت قتل الغزيين لم تتبنّ خطاباً مغايراً لما كانت عليه، حتى بعدما سفك الاحتلال دماء رعاياها. تلك البلاد الأوروبية لم تغلِ على ذلك الدم المسفوك، فلم ترفع من نبرة خطابها، حيث بقيت مواقفها محصورة في كلمات عزاء ومواساة باردة لأهالي الشهداء. وكانت عائلة الكيلاني المكوّنة من 7 أفراد قد نجت من الموت مرتين، لكنّه لحقهم إلى وسط مدينة غزّة. ومن شمال القطاع إلى شرقه، حيث تقطن عائلة زوجة المهندس إبراهيم الكيلاني، كان الطريق محفوفاً بالصعاب. حبست العائلة أنفاسها هاربةً على وقع القصف المدفعي العنيف من حي الشجاعية إلى شقة سكنيّة استأجرتها مؤقتاً في برج السلام وسط غزّة. لكن في اليوم نفسه، وفيما كانت العائلة تتهيأ لكسر صيامها، أطلق الاحتلال صاروخاً على البرج لتسقط العائلة بأكملها شهيدة.
سبق للكيلاني أن عاش في ألمانيا 20 عاماً تخرّج خلالها في إحدى الجامعات الألمانية مهندساً مدنياً، قبل أن يعود إلى القطاع قبل 13 عاماً ويتولّى إدارة مكتب خاص به للأعمال الهندسية.
حاولت «الأخبار» مراراً الاتصال بعائلة والد الشهيد ديب الكيلاني التي نزحت من بيت لاهيا شمال القطاع، لكن دون جدوى. يعيد استشهاد الجزائريين والمواطنين الألمان على أرض غزة إلى الأذهان حادثة أسطول الحرية. إذ يظهر مرةً بعد أخرى أن آلة القتل الإسرائيلية لا تقيم حساباً لحليفٍ أو لعدو. كأن الوحش الاسرائيلي أعمى، يأكل كل من يقف في طريق حقده، مهما كانت هويته.