نظرة على حلو ... وانتظار لجعجع

  • 0
  • ض
  • ض

لم يعد ينفع "النق" المسيحي، لا بل لم تعد تصلح ولا تجدي شكاواهم عن تدخلات ووصايات من الخارج ولا حتى عن هيمنات أو غبن من الداخل، بدليل أن ها هو الخارج الذي يشكون منه، وها هو الداخل الذي ينافسهم ويتنافسون معه، قد زكيا معاً مرشحاً رئاسياً هو واحد من أقطاب الموارنة. ما تبقى من هنا وحتى جلاء الموقف، بات رهن مواقف المسيحيين أنفسهم. على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت المجازر. كل التشوهات والمكبوتات تظهر هناك وتتضخم وتتراكم. مسيحيو 14 آذار ينبشون تاريخ سليمان فرنجية. وهو لا يستحي به أصلاً ولا يتنكر له. يحاولون بضربات من تحت الزنار تذكير سعد الحريري بعداء سابق، أو حتى الغمز من قناة الكلام الكبير الذي قيل في فترات ماضية حيال السعودية، وصولاً إلى رفعهم العنوان الأكبر: أن فرنجية هو السياسي الوحيد الجالس على طاولة الحوار، والذي جاهر علناً برفضه ما يسمى "إعلان بعبدا". ليطووا هذا الموقف القديم على المواقف الراهنة لفريقي الحريري وجنبلاط، مستخلصين ما يرونه انقلاباً من حلفائهم عليهم، وانقلاباً من بعضهم على الذات. أنصار ميشال عون، يلاقون هؤلاء في إطلاق النار السياسي نفسه، من متراس آخر. دائماً على صنوبر الشبكة العنكبوتية نفسها، يجرون جردة طويلة لمفاصل الاختلافات في السلوك والأداء، بين الرابية وبنشعي. من سوكلين إلى تطيير الانتخابات. ومن إدمون فاضل إلى شامل روكز. ردود أنصار فرنجية لا تتأخر. علب باندورا متراكبة، تفتح كل يوم على كل ما يجرح ويحرج ويرجح أن شيئاً ما ذاهب إلى الانكسار، بين القوى المسيحية نفسها، وبينها وبين حلفائها ... وسط هذا المشهد المحزن، وجهان يجدر التوقف عندهما. واحد للعبرة، وآخر للترقب. الأول هو وجه هنري حلو. هذا الرجل الماروني الآدمي، الذي لا ناقة له ولا جمل في كل ما يحصل له ومعه. كأنه بيتر سيلرز في رائعة "أن تكون هناك". بستاني بسيط متفرج، يكاد يصير في الخيال رئيساً للولايات المتحدة. هنري حلو، الثري هنا، حفيد ميشال شيحا، نكب مراراً بأن يجلس مستمعاً إلى التنكيل بجده. وهنري حلو ابن بيار حلو، الذي نام ذات يوم رئيساً قبل أن يرفض الكرسي بثمن الدم، عاد إلى الكتلة التي أخرجت والده قسراً سنة 1996، وظلت تعيّره بأنه واحد من "فرسان ثلاثة" أقصتهم عن السياسة نفياً. لكن الأهم، أن هنري حلو هو الشخص الذي لم يرث نيابة والده في 14 أيلول 2003، بقدر ما ربح ورقة "بينغو" كان عنوانها يومها منع ميشال عون من العودة إلى الحياة السياسية اللبنانية عبر فرعية بعبدا عاليه. يومها، قررت الوصاية الخارجية أن تجعل من اسم حلو ذريعة لضرب مرشح عون. لينكب الرجل نفسه بعد 11 عاماً، بأن يزج اسمه مرة جديدة، محرقة لأصوات نيابية، كي لا تصب عند المارونيين الأولين، عون وجعجع. وفي كل هذا، لا تقع المسؤولية على هنري حلو، بل على قانون الانتخابات الغائب حتى اللحظة عن مجمل مشروع التسوية، أو وهمها، كما سماه جبران باسيل من بكركي أمس. يبقى الوجه الثاني الذي يستحق التوقف عنده وسط هذه المعمعة، هو سمير جعجع. قبل نحو عامين، كاد سعد الحريري أن يتفق مع عون على تزكيته رئيساً. يومها تحركت اعتراضات كثيرة. بدا أن جعجع واحد منها. بعدها، أعلنت تلك "النيات" بين الرابية ومعراب، ما يفترض تذليل ذاك الاعتراض. لتظل عالقة في جردة الحجج، مقولة أن الفيتو السعودي ضد عون لا يزال وازناً. اليوم جاءت تزكية الحريري لفرنجية، ومن خلفها بركة الرياض، لتكشفا أمرين اثنين: أولاً، أن ما يحكى عن فيتو سعودي ليس دقيقاً. أو على الأقل أنه لم يعد مانعاً مطلقاً. والأمر الثاني، أن موقع جعجع لدى حلفائه، من الحريري إلى رعاته، لم يعد كذلك بهذا الوزن ولا هذا الحسم. وهو ما يفتح أمام جعجع مسالك جديدة للتفكير والسلوك: فإذا كان الفيتو السعودي قد تذلل، فهذا يعني أن خيار عون رئيساً بات ممكناً بالنسبة إليه. وإذا كان موقع جعجع لدى حلفائه قد اهتز إلى هذا الدرك، فهذا يعني أيضاً أن خيار عون رئيساً بات ضرورة له. في شتى الأحوال، يبدو وجه جعجع أساسياً في الاستحقاق كما صارت تطوراته. فهو في ظل هذا المشهد من تبدل مواقف الحلفاء وأصحاب "النيات" و"التفاهمات"، بات قادراً على أمر من اثنين: إما أن يزكي ترشيح عون، وسط عدم ممانعة سعودية واضحة وشبه معلنة، ووسط تأييد مبدئي وأخلاقي كبير من فرنجية لعون حتى اللحظة، وحتى كلامه لسيد بكركي أول من أمس، بحيث يصير عون رئيساً مستحقاً بقوة تمثيله وإجماع المسيحيين واللبنانيين. وإما أن يحتضن فرنجية خياراً رئاسياً، فيسقط ما يحكى ويهمس أنه مصدر شك وخوف وقلق، من طريقة ترشيحه وصيغة تبنيه من قبل ثنائي الحريري ــ جنبلاط. وجهان يختصران الوضع إذاً. حلو يختصر مأزق النظام، وجعجع قادر على حل مأزق الرئاسة.

0 تعليق

التعليقات