كل قذيفة أطلقتها وحدات الجيش في عرسال واستهدفت فيها تجمعات المسلحين من «جبهة النصرة» و«داعش» في تلال رأس السرج ـــ عين الشعب، محور المهنية ـــ ثكنة الكتيبة 83، كانت تنبئ بأن خيار «ضرب الإرهابيين بلا هوادة بات أمراً لا مفر منه». التعزيزات الكبيرة التي استقدمها الجيش من أفواج التدخل الخامس والثاني والمغاوير والمجوقل واللواءين السادس والثامن، أكدت أن الجيش ماضٍ في مواجهاته لاسترداد مواقعه ونقاطه العسكرية وتحرير عناصره الـ22 المخطوفين على أيدي المسلحين، فضلاً عن عناصر قوى الأمن الداخلي والقوى السيارة الذين خطفوا من داخل فصيلة درك عرسال.
حدة الاشتباكات كانت قد خفت منتصف ليل الأحد ـــ الاثنين بعد تراجع المسلحين من مبنى ثكنة الجيش إلى مبنى مهنية عرسال المحاذي لها، وسيطرتهم على غالبية محلة رأس السرج من الناحية الجنوبية للثكنة، واستشهاد عدد من العسكريين، بينهم الضابطان برتبة مقدم نور الجمل وداني حرب. ولم يكد فجر أمس ينبلج حتى اندلعت مواجهات عنيفة، وقصفت مرابض مدفعية الجيش في قرى البقاع الشمالي تجمعات المسلحين في مبنى المهنية، حيث تكبدوا خسائر كبيرة وتراجعوا إلى محيط جامع «أبو إسماعيل» ومحطة محروقات «السماقة» في محلة رأس السرج المطلة على بلدة اللبوة. وأكدت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إحصاء 51 جثة للمسلحين في محيط المهنية والمنازل القريبة منها، فيما تمكن الجيش من سحب جثتي اثنين من عناصره استشهدا أثناء هجوم المسلحين على الثكنة.
تكبد المسلحون
خسائر كبيرة في مبنى المهنية فتراجعوا

الاشتباكات التي اندلعت فجراً لم تحل دون انطلاق مواكب النازحين من أهالي البلدة إلى بيروت وقرى بقاعية أخرى. ورصدت «الأخبار» نزوح عشرات العائلات بواسطة ما توافر لها من وسائل نقل، من سيارات وشاحنات وجرارات زراعية، حاملة معها ما أمكن نقله. وعمد بعض من يمتهنون تربية الماشية الى نقل مواشيهم معهم، كما فعل أبو محمد الفليطي الرجل السبعيني الذي نقل قطيع الماعز الذي يملكه بواسطة جراره الزراعي. ليس لدى الرجل الكثير ليتحدث عنه، لكنه أكد أن المسلحين «عم ينغلوا نغل بعرسال وشوارعها»، وأن خروجه لم يكن سهلاً: «المسلحين عم يقوصوا ع كل مين عم يحاول ينزل». وقالت مصادر من داخل البلدة لـ«الأخبار» إن المسلحين أقدموا عصراً على إعدام أحد أبناء البلدة محمد الحجيري وزوجته وابنهما الرضيع.
وفيما منع الجيش العائلات السورية من مغادرة عرسال، سجّل نزوح ما يقارب 250 عائلة عرسالية عن البلدة، كما يؤكد أحد فعالياتها لـ«الأخبار»، مشدداً على أن حركة النزوح استمرت من الفجر حتى التاسعة والنصف من صباح أمس، عندما بدأ المسلحون باعتراض العائلات النازحة وإطلاق النار باتجاههم، ما أدى إلى مقتل زوجة حسين الحجيري وأبنائه الثلاثة (أكبرهم يبلغ من العمر 12 عاماً)، فضلاً عن إصابة آخرين بجروح مختلفة، ما دفع عدداً كبيراً من العائلات الى التراجع والعودة إلى منازلهم». وقالت إحدى النازحات لـ«الأخبار»: «ما عاد في أمان داخل البلدة لكثرة وجود المسلحين الذين يهددون ويتوعدون ويسرقون منازل ومحال العراسلة».
وبعد توقف حركة النزوح، استهدف الجيش بشكل عنيف تجمعات المسلحين في المنازل المحيطة بمسجد «أبو إسماعيل»، التي انكفأوا إليها من محور المهنية في محلة رأس السرج ـــ تلال عين الشعب، حيث ارتفعت سحب الدخان إثر احتراق شاحنة محروقات، وخيم للنازحين السوريين في مخيم «البراء» بالقرب من المسجد. وتمكن الجيش من تكبيد المسلحين خسائر كبيرة، دفعتهم إلى التخلي عن قتلاهم وجرحاهم وآلياتهم العسكرية والفرار شرقاً إلى داخل البلدة، وتموضع عدد منهم في مبنى فصيلة قوى الأمن الداخلي. وأوضحت مصادر عسكرية أن الجيش سيطر على محور حي السرج ـــ المهنية، مشيرة الى أن لهذا المحور «أهمية استراتيجية»، إذ يمكنه من خلاله «تركيز تعزيزاته بدلاً من بقائها بعيدة في أسفل محلة عين الشعب، ولمنع المسلحين من قطع الطريق على تحركاته في اتجاه المراكز المتقدمة». وعنفت المعارك بعدما استقدمت «جبهة النصرة» تعزيزات إلى محيط مسجد الفاروق، إثر عدم سريان الهدنة التي كان مقرراً أن تبدأ عند الساعة السادسة مساءً. وليلاً، وقعت اشتباكات في محلة وادي عين عطا، واستعان الجيش بمروحية لمهاجمة مواقع المسلحين.
وبحسب عدد من أبناء البلدة الذين تحدثت اليهم «الأخبار»، فإن أحياء عرسال وشوارعها وساحتها باتت حكراً على المسلحين الذين يجوبونها بالدراجات النارية والسيارات المجهزة بالرشاشات المتوسطة، فيما التزمت غالبية السكان المنازل، وانتقلت عائلات أخرى من أطراف البلدة إلى داخلها بعد انقطاع المياه. وقال أحد أبناء عرسال لـ«الأخبار» إن المسلحين استباحوا المحال التجارية والمنازل، وأقدموا «بشكل ممنهج وعلني على سلب ونهب كل ما طالته أيديهم، مع تركيزهم الواضح على سرقة محال بيع وتشريج الهواتف الخلوية». كذلك نصبوا مرابض أسلحة متوسطة ومضادة للطائرات في محلة «رأس السن»، وهي إحدى التلال من الجهة الجنوبية لعرسال تطل على أحياء البلدة.
الى ذلك، علمت «الأخبار» من مصادر أمنية أن خمسة مسلحين يستقلون سيارة تابعة للجمارك حاولوا التحرك من بلدة عرسال إلى محلة عين الشعب، سرعان ما استهدفهم الجيش، ما أدى إلى مقتلهم واحتراق الآلية بالكامل.