في الوقت الذي تكابر فيه تل أبيب الرسمية، عبر الادعاء بتحقيق «انجازات استراتيجية» في الحرب على قطاع غزة، حتى قبل أن تتولد التفاهمات القادرة على تظهير نتائج التضحيات التي قدمتها المقاومة والشعب الفلسطينيان، تتعالى الأصوات العبرية التي تكذب هذه الادعاءات، وتطرح جملة من الاسئلة المشككة، مع دعوة إلى التمهل وعدم استباق النتائج.
ووجهت صحيفة «يديعوت أحرونوت» جملة من الاسئلة التي سمتها «الاسئلة الصعبة»، ورأت أن على القيادة الإسرائيلية أن تجيب عنها، في أعقاب الحرب على غزة. وبحسب الصحيفة، فإن أول هذه الاسئلة هو كيف تمكنت الفصائل الفلسطينية من الحفاظ على قدراتها الصاروخية حتى اليوم الأخير من المواجهة، وذلك رغم القصف والهجمات الهائلة التي تعرضت لها.
وتساءلت الصحيفة، كيف أن إسرائيل لم تتمكن من تهديد الفلسطينيين وإفهامهم أنها تنوي المضي حتى النهاية في مواجهتهم؟ وكيف لم تتمكن خلال 29 يوماً من الحرب من الوصول إلى مخابئ قيادة «حماس» وتصفيتهم؟ ولماذا لم يستعد الجيش للخطر، ولم يعدّ الخطط لمعالجة الأنفاق، ولم يهتم بتزويد ما يكفي من القوات والمعدات لتدمير الأنفاق؟ ولماذا دخلت قوات «غولاني» إلى قطاع غزة بمصفحات قديمة وغير مدرعة؟ وكيف حدث أن تمكن الفلسطينيون من التسلل عبر الأنفاق وقتل الجنود؟
وتابعت الصحيفة اسئلتها: «كيف قالوا لنا، هنا في إسرائيل، مرة بعد أخرى، إن الفلسطينيين هزموا ويستنجدون ويطلبون وقفاً لإطلاق النار، بينما بقيت الفصائل الفلسطينية صامدة حتى النهاية؟ وكيف غاب الردع، وكيف فشلت إسرائيل في إصابة قادة الفصائل؟».

طبول النصر
التي تُسمع ليست
الا حرباً نفسية موجهة إلى الجبهة الداخلية



ولفتت «يديعوت أحرونوت» إلى أن اختفاء قوات الجيش من المناطق التي كان فيها في قطاع غزة، بين عشية وضحاها، خلف ما يصعب قياسه، مع شعور بخيبة الأمل والاكتئاب، اذ كان الأمل بأن نحقق انجازاً لا لبس فيه ينهي دفعة واحدة تهديد القطاع وإلى الأبد، و«صحيح أن هذا قد يحدث مستقبلاً بفضل الانقلاب في مصر، لكن لا احد يستطيع أن يعد بذلك».
وطلب التريث في إعلان النصر، كما شددت عليه «يديعوت أحرونوت»، أكدته أيضاً صحيفة «هآرتس»، التي طالبت بدورها بعدم الإسراع في الاستنتاجات المبكرة وعدم الحديث المسبق عن هوية المنتصر والمهزوم، مشيرةً إلى أن الأمور لا تقاس فقط بمقدار الأضرار في قطاع غزة، بل أيضاً بالتسوية التي ستتحقق في أعقاب المواجهة، ومدى تطورها وثباتها لاحقاً.
وأشارت الصحيفة إلى أن طبول النصر التي تُسمع الآن في إسرائيل، ليست الا حرباً نفسية موجهة إلى الجبهة الداخلية، كي تقنع الإسرائيليين بأن التضحية والجهد لم يكونا بلا طائل. وبحسب الصحيفة، فإن صورة النصر ضرورية لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي يدرك أن خصومه يتطلعون إلى ذبحه سياسياً، كذلك إن صورة النصر بالنسبة إلى الجيش ضرورية أيضاً، وخاصة بعد الانتقادات التي تساق بحقه حول ادائه واداء قيادته. كذلك إن قادة الألوية يخرجون جنودهم من القطاع ويريدون أن يعززوا روح القتال لديهم، استعداداً لما يأتي.
وحذرت الصحيفة من التسرع بالاستنتاجات، اذ إن الأمر لم ينته : «فحماس لم تُهزم وستبقى هي المنظمة التي تحكم قطاع غزة، وستبقى هي الشريكة المركزية في كل تسوية في المستقبل، حتى لو تم ذلك بصورة غير مباشرة. واذا أفضت الهدنة إلى خرق للحصار على القطاع، فقد يعتبر الثمن الباهظ الذي دفعته حماس، مجرد تضحية بسيطة من وجهة نظرها».
ولجهة الاخفاقات الإسرائيلية، أشارت «هآرتس» إلى أوجه عديدة لمواطن خلل برزت في اداء الجيش، إذ إن «الانطباع الأولي يشير إلى أن الاستخبارات لم تنجح في تقدير التغييرات التي طرأت على توجهات حماس في مرحلة ما قبل الحرب، والمعلومات الاستخبارية لم تكن متناسبة مع الاستعداد العسكري الميداني، فضلاً عن أن الاستخبارات نفسها لم توفر معلومات عن منصات إطلاق الصواريخ، وكانت معلومات جزئية غير كاملة، وهذا كله إلى جانب تعذر الاضرار بقيادة حماس»، وبحسب الصحيفة، فإن تقارير الاعلام العبري، أيضاً، التي تحدثت عن تفاؤل كبير سابق لأوانه، ركزت على تآكل «حماس» والفصائل الفلسطينية واستعدادهم لوقف إطلاق النار، وهو الامر الذي تبين أنه مبالغ فيه.
صحيفة «اسرائيل اليوم»، المقربة من نتنياهو، وفي معرض ردها على الانتقادات المساقة ضد القيادة الإسرائيلية وطريقة ادائها، أكدت الفشل في معرض عرض النجاح، وقالت: «على فرض أن تستمر الهدنة؛ وعلى فرض ألا تسمح مصر بإدخال السلاح إلى قطاع غزة من معبر رفح؛ وعلى فرض أن لا يُضغط على إسرائيل كي تفتح ممراً لحماس؛ وعلى فرض أن تعود السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس كي تؤدي دوراً في ادارة قطاع غزة؛ وعلى فرض أن يزداد الخلاف الداخلي في حماس، فإنه يمكن أن نقول إن الحرب حققت نجاحاً واضحاً».
وسألت الصحيفة منتقدي الجيش حول النتائج التي كانوا يترقبونها، وأضافت: «ماذا تريدون من قيادة الاركان؟ هل تريدون أن تتصرف بلا صدق؟ هل تريدون أن تخفي الحقيقة المرة؟ وماذا كان بإمكان إسرائيل أن تفعل اكثر مما فعلت؟».