غزة | نعمة نصير، طفلة لم تتجاوز ستة أشهر من عمرها. فقدت بصرها وسمعها جراء استهداف منزل عائلتها بقذيفة من الدبابة الإسرائيلية أتتها من الحدود الشرقية لبلدة بيت حانون شمال قطاع غزة. كان منزلهم أول منزل يقصف وتقع فيه أول إصابة وأول شهيد خلال دخول قوات الاحتلال إلى تلك البلدة.هربت عائلتها المكونة من والدتها وبيت جدها بعد استنجادهم بسيارات الإسعاف لنقل المصابين والشهداء. ما إن وصلت سيارة الإسعاف حتى اندفع ما يقارب 25 فرداً من عائلتها داخلها طالبين النجدة من الموت، لكنهم لم يجدوا لهم سبيلاً إلا «بيت الله» كي يحتموا فيه من إسرائيل.

تقول أم تامر نصير، وهي جدة الطفلة، إنهم ذهبوا إلى المسجد بحثاً عن الأمان، «لكن لا أمان في أي مكان في غزة... نحن هنا مشردون بطعام وماء قليلين». وتضيف: «هذه الطفلة لا تجد الدواء لمعالجتها، ولا نملك ثمن الحليب لها»، وحتى لقائنا بها عبرت عن خشيتهم من العودة إلى البيت، وخاصة أنه ملاصق للحدود.
وتستدرك أم تامر بالقول إنهم قد لا يعودون إلى ذلك البيت، معللة ذلك بأنهم لا يضمنون أن تكون هذه الحرب هي الأخيرة، «كذلك لا نستطيع إعادة بناء المنزل، فكل الأراضي جرفتها إسرائيل ولا نملك المال».
أما حنين، وهي والدة الطفلة نعمة، فتحمل ابنتها طوال الوقت وتحاول تحريك أصابع يديها أمام عيني طفلتها لعلها ترى. لكن لا جدوى من ذلك فهي فاقدة للبصر الآن برغم أن عينيها مفتوحتان.
تقول الأم: «الطبيب أخبرني أن ابنتي لن ترى النور مرة أخرى، فشدة الانفجار قتل عندها خلايا دماغية مسؤولة عن السمع والبصر»، لكنها لم تفقد الأمل بعد أن سمعت أحد الأطباء يقول لها: «ربما بعد 6 أشهر يمكن إجراء عملية جراحية للطفلة، تستعيد إثرها بصرها، لكن السمع مستحيل علاجه».
حتى هذا الأمل قد لا يمكن تحقيقه من دون نقود تمكنهم من السفر إلى إحدى الدول الأوروبية أو حتى العربية، وهناك تستطيع أن تجري لها العملية الجراحية. وتدعو حنين أصحاب القلوب الرحيمة إلى أن ينظروا إلى ابنتها على أنها مصابة حرب «وأن يساعدوها لنعيد لها البصر على الأقل».
أما الجد، أبو تامر، فالتجأ إلى زاوية في باحة المسجد. يمضي أغلب وقته في هذه الزاوية. يشعل سيجارته ويسرح بعيداً طوال الوقت. يقول للأخبار: «أبحث وراء ذكرياتنا التي لم يبق منها شيء، وأفكر في حال ابنتي التي فقدت مستقبلها هي الأخرى بعد إصابتها بالعمى والطرش». هو أيضاً يرى ذلك مستحيلاً، فهو عاطل من العمل ولا يملك النقود أو القدرة لذلك. ويتأسى على حاله بعد أن ترك زوج ابنته الطفلة المصابة وأمها في بيته «وتخلى عنهما في أصعب الظروف».