غزة | بينما ينهك الأطباء في محاولة إنقاذ المصابين في أقسام الطوارئ داخل مستشفيات قطاع غزة طوال أيام الحرب الإسرائيلية، يجهد آخرون في قسم الولادة لإخراج أطفال جدد إلى الحياة. 4500 مولود جديد آخر إحصائية سجلتها وزارة الصحة الفلسطينية أثناء أيام الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في الوقت الذي كانت تحصد في حربها على المدنيين المئات من أرواح الأطفال الشهداء، وتعددت الولادات تحت نيران الاحتلال. فمن النساء من ولدن في بيوتهن، ومنهن من ولدن في طريقهن إلى المستشفى، ومنهن من ولدن على أرض المستشفى وهن ينتظرن طبيبة لتوليدهن.
هبة سالم (24 عاماً) ولدت مولودتها البكر سما في منزلها بعدما فقدت الأمل بقدرتها على التحرك والخروج من حي الشجاعية الذي كان يتعرض لأعنف عملية عسكرية، ويتم استهداف كل ما هو متحرك في هذا الحي، صرخت وبكت وطلبت النجدة، لكنها لم تجد سبيلاً سوى استدعاء «الداية»، التي تقترب من عامها الـ 95 وبالكاد تذكر مهنتها التي ورثتها عن والدتها.
وتقول والدة هبة وهي تحمل اسم سما لـ«الأخبار»: «كان يوماً عصيباً لن ينسى، ابنتي كانت ستموت بين يدي ولا أدري كيف أساعدها. الطيران كان فوقنا، والقصف يطال كل مكان ولا نستطيع التحرك»، وتتابع: «جارتنا كانت داية في الزمانات، اضطررنا إلى استدعائها بعد جهد كبير في إقناعها لتوليد ابنتي التي تموت أمام عيني، وبمئة عافية لما رضيت تولدها لأنها كانت شبه ناسية».

من النساء من ولدن
في بيوتهن، ومنهن من ولدن في طريقهن إلى المستشفى

هي مجازفة حقيقية، لكنها أسهل الأمرين. حضرت الداية أم حسين أبو عمرة إلى بيت عائلة سالم، وقامت بتوليد هبة رغم مواجهتها صعوبات كبيرة، وتقول لـ«الأخبار»: «إنها معجزة حقيقية ولدت على صوت الصواريخ، ولما انقصف بيت جيرانهم اللي جنبهم ولدت بسرعة، مع صوت الصاروخ ولدت من الخوف»، مشيرة إلى أنها هي من سمت الفتاة سما، لأن الصاروخ الذي نزل من السماء هو من أنقذها ولكنه قتل العديد من جيرانها وأغلبهم من الأطفال.
ولم تستطع آمال الكفارنة (30 عاماً) أن تتحمل آلام المخاض، فتوسطت بين نساء غرفتها في مدرسة بيت حانون تتلوى من الألم، إلى أن ولدت طفلها صابر، من دون أي مساعدة من أحد، واضطرت إلى قطع حبل السرة للجنين بمقص اشتروه من «كنتينة المدرسة»، «هي مخاطرة حقيقية، لكن الحياة تأبى إلا أن تستمر»، تقول أم محمود الكفارنة.
وكانت آمال قد ولدت ابناً لها في الحرب السابقة، وسمته صابر لصبرها على آلام الولادة أيضاً آنذاك، لكنه توفي في هذه الحرب، قبل عدة أيام، غير أن القدر يصرّ على أن يمنحها صابر مرة أخرى وفي ذات الظروف التي ولد فيه أخيه الشهيد قبل ست سنوات.
وتضيف أم محمود: «ربنا بقطع من هان وبوصل من هان. قبل يومين استشهد أخيه صابر الكفارنة في قصف إسرائيلي على منزلهم، واليوم ولد أخيه الآخر في نفس ظروف الحرب».
أما حليمة النجار من بلدة خزاعة شرقي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، فهي لم تفرح على ولادتها ابنتها أسيل التي ولدت مشوهة، نظراً إلى ولادتها قبل موعدها الصحيح، وتبكي حليمة على ابنتها التي ولدت دون اكتمال أعضائها، بعدما جاءها المخاض في أواخر الشهر السادس.
وتقول حليمة: «كنت مرعوبة جداً من أصوات الصواريخ والانفجارات الشديدة، وكنت أخاف كثيراً على أطفالي الثلاثة أن ترتكب إسرائيل مجازر بحقهم، وشعرت فجأة بوجع شديد، انتهى بولادتي المبكرة لابنتي التي لا أعرف إن كانت ستتمكن من العيش أو لا».
وتضيف: «إسرائيل لم ترتكب مجزرة بحق أبنائي الأحياء، لكنها استطاعت أن تقتل طفلتي قبل ولادتها».
ويرى الفلسطينيون أن هذا الارتفاع في عدد المواليد في هذا الشهر «المنكوب» هو كرامة من الله لتعويضهم على الارتفاع في عدد الضحايا بين الأطفال الذين سقطوا شهداء، وتقول سميرة العروقي (25 عاماً) التي رافقت أختها للولادة في مستشفى الشفاء: «لم أتوقع أن أجد هذا العدد الكبير في المستشفى من المواليد، وخاصة في ظل هذه الحرب»، مضيفة: «في الخارج، أغلب الأطباء منشغلون إما في العمليات أو في معالجة الجرحى، أما هنا عالم آخر فهذه كرامة حقيقية من الله تعالى ليعوضنا عن شهدائنا».